للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ نَقْدِرَ هُنَا بِمَعْنَى نَحُكْمَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُدْرَةِ، أَيْ ظَنَّ أَنْ لَنْ نُؤَاخِذَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ دُونَ إِذْنٍ. وَنُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ يُونُسُ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ.

وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّفْرِيعُ تَفْرِيعُ خُطُورِ هَذَا الظَّنِّ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَادِرَةً بدافع الْغَضَب عَن غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي لَوَازِمِهِ وَعَوَاقِبِهِ، قَالُوا: وَكَانَ فِي طَبْعِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ.

وَقِيلَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ. وَالتَّقْدِيرُ: أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؟

وَنُسِبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ أَوْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ. قَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «تَفْسِيره» : وَقد قرىء بِهِ.

وَعِنْدِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ آخَرَانِ وَهُمَا: أَنَّهُ ظَنَّ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحُوتِ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُخَلِّصِهِ

فِي بَطْنِ الْحُوتِ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْقِيبُ بِحَسَبِ الْوَاقِعَةِ، أَيْ ظَنَّ بَعْدَ أَنِ ابْتَلَعَهُ الْحُوتُ.

وَأَمَّا نِدَاؤُهُ رَبَّهُ فَذَلِكَ تَوْبَةٌ صَدَرَتْ مِنْهُ عَنْ تَقْصِيرِهِ أَوْ عَجَلَتِهِ أَوْ خَطَأِ اجْتِهَادِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ مُبَالَغَةً فِي اعْتِرَافِهِ بِظُلْمِ نَفْسِهِ، فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ فِعْلَ الْكَوْنِ الدَّالَّ عَلَى رُسُوخِ الْوَصْفِ، وَجَعَلَ الْخَبَرَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ فَرِيقِ الظَّالِمِينَ وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى أَرْسَخِيَّةِ الْوَصْفِ، أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ يَعُوقُهُ عَنْ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ.

وأَنِّي مُفَسِّرَةٌ لِفِعْلِ نَادَى.

وَتَقْدِيمُهُ الِاعْتِرَافَ بِالتَّوْحِيدِ مَعَ التَّسْبِيحِ كَنَّى بِهِ عَنِ انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّدْبِيرِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.