وَالظُّلُمَاتُ: جَمْعُ ظُلْمَةٍ. وَالْمُرَادُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ قَعْرِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ. وَقِيلَ: الظُّلُمَاتُ مُبَالَغَةٌ فِي شِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [الْبَقَرَة: ٢٥٧] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا نَظُنُّ أَنَّ «الظَّلَمَةَ» لَمْ تَرِدْ مُفْرَدَةً فِي الْقُرْآنِ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْإِجَابَةِ. وَهِيَ إِجَابَةُ تَوْبَتِهِ مِمَّا فَرَّطَ مِنْهُ. وَالْإِنْجَاءُ وَقَعَ حِينَ الِاسْتِجَابَةِ إِذِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا بَقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِلَّا سَاعَةً قَلِيلَةً، وَعَطَفَ بِالْوَاوِ هُنَا بِخِلَافِ عَطْفِ فَكَشَفْنا عَلَى فَاسْتَجَبْنا وَإِنْجَاؤُهُ هُوَ بِتَقْدِيرٍ وَتَكْوِينٍ فِي مِزَاجِ الْحُوتِ حَتَّى خَرَجَ الْحُوتُ إِلَى قرب الشاطئ فتقاياه فَخَرَجَ يَسْبَحُ إِلَى الشَّاطِئِ.
وَهَذَا الْحُوتُ هُوَ مِنْ صِنْفِ الْحُوتِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَبْتَلِعُ الْأَشْيَاءَ الضَّخْمَةَ وَلَا يَقْضِمُهَا بِأَسْنَانِهِ. وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ تَسْمِيَةُ صِنْفٍ مِنَ الْحُوتِ بِحُوتِ يُونُسَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ.
وَجُمْلَةُ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ تَذْيِيلٌ. وَالْإِشَارَةُ بِ كَذلِكَ إِلَى الْإِنْجَاءِ الَّذِي أَنْجَى بِهِ يُونُسَ، أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْجَاءِ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ من غموم بِحَسب مِنْ يَقَعُ فِيهَا أَنَّ نَجَاتَهُ عَسِيرَةٌ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِأَنَّ اللَّهَ مُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَمِّ وَالنَّكَدِ الَّذِي يُلَاقُونَهُ مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ فِي بِلَادِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَن كلمة فَنُجِّيَ كُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ كَمَا كُتِبَتْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ
فِي قَوْلِهِ فِي [سُورَة يُوسُف: ١١٠] فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ. وَوَجَّهَ أَبُو عَلِيٍّ هَذَا الرَّسْمَ بِأَنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ لَمَّا كَانَتْ سَاكِنَةً وَكَانَ وُقُوعُ الْجِيمِ بَعْدَهَا يَقْتَضِي إِخْفَاءَهَا لِأَنَّ النُّونَ السَّاكِنَةَ تُخْفَى مَعَ الْأَحْرُفِ الشَّجَرِيَّةِ وَهِيَ- الْجِيمُ وَالشِّينُ وَالضَّادُ- فَلَمَّا أُخْفِيَتْ حُذِفَتْ فِي النُّطْقِ فَشَابَهَ إِخْفَاؤُهَا حَالَةَ الْإِدْغَامِ فَحَذَفَهَا كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي الْخَطِّ لِخَفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute