للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأُقِيمَتْ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى دَعَائِمِ الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ وَالْيُسْرِ. قَالَ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحجّ: ٧٨] وَقَالَ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَة: ١٨٥] ،

وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

. وَمَا يُتَخَيَّلُ مِنْ شِدَّةٍ فِي نَحْوِ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمُرَاعَاةِ تَعَارُضِ الرَّحْمَةِ وَالْمَشَقَّةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [الْبَقَرَة: ١٧٩] فَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ شِدَّةٌ عَلَى الْجُنَاةِ وَرَحْمَةٌ بِبَقِيَّةِ النَّاسِ.

وَأَمَّا رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْأُمَمِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ رَحْمَتَهُ بِالْأُمَمِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ سُلْطَانِهِ وَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَرَحْمَتُهُ بِهِمْ عَدَمُ إِكْرَاهِهِمْ عَلَى مُفَارَقَةِ أَدْيَانِهِمْ، وَإِجْرَاءُ الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ بِحَيْثُ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ فِي الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ.

هَذَا وَإِن أُرِيد بالعالمين فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ النَّوْعُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ ذَاتِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ الْحَيَوَانِ فِي مُعَامَلَةِ الْإِنْسَانِ إِيَّاهُ وَانْتِفَاعِهِ بِهِ. إِذْ هُوَ مَخْلُوقٌ لِأَجْلِ الْإِنْسَانِ، قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَة: ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [النَّحْل: ٥- ٧] .

وَقَدْ أَذِنَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لِلنَّاسِ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَلَمْ تَأْذَنْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ كُرِهَ صَيْدُ اللَّهْوِ وَحُرِّمَ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ، وَعَدَّ فُقَهَاؤُنَا سِبَاقَ الْخَيْلِ رُخْصَةً للْحَاجة فِي الغرو وَنَحْوِهِ.

وَرَغَّبَتِ الشَّرِيعَةُ فِي رَحْمَةِ الْحَيَوَانِ

فَفِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِرَجُلٍ وَجَدَ كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ