مُتَّبِعِيهِ وَيَرْقُبُونَ مَا يَنْتَابُهُمْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَابَهُمُ الْخَيْرُ عَقِبَ ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّ دِينَهُمُ الْقَدِيمَ لَيْسَ بِحَقٍّ وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ لَانْتَقَمَتْ مِنْهُمْ عَلَى نَبْذِ عِبَادَتِهَا وَظَنُّوا أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقٌّ، وَإِنْ أَصَابَهُمْ شَرٌّ مِنْ شُرُورِ الدُّنْيَا الْعَارِضَةِ فِي الْحَيَاةِ الْمُسَبَّبَةِ عَنْ أَسْبَابٍ عَادِيَّةٍ سَخِطُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَانْخَلَعُوا عَنْهُ. وَتَوَهَّمُوا أَنَّ آلِهَتَهُمْ أَصَابَتْهُمْ بِسُوءٍ غَضَبًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ عِبَادَتَهَا كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ عَادٍ إِذْ قَالُوا لِرَسُولِهِمْ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: ٥٤] .
فَالْعِبَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ مُرَادٌ بِهَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لَا يَنْفَعُهُ [الْحَج: ١٢] .
وَالظَّاهِر أَن هَذِه الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَنَتَجَتْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتِجْ خَيْلُهُ قَالَ:
هَذَا دِينُ سُوءٍ.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ مِثْلَ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُبْطِنِينَ الْكُفْرَ فَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ. وَمِمَّنْ يَصْلُحُ مِثَالًا لِهَذَا الْفَرِيقِ الْعُرَنِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى يَصِحُّوَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَفَرُّوا، فَأَلْحَقَ بِهِمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّلَبَ فِي أَثَرِهِمْ حَتَّى لَحِقُوا بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute