وَفِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» : أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَهُ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتِقِيلُهُ بَيْعَتَهُ فَأَبَى أَنْ يُقِيلَهُ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» فَجَعَلَهُ خَبَثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ثَابِتًا
. وَذَكَرَ الْفَخْرُ عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ قَالُوا: نَخَافُ أَنْ لَا يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فَيَنْقَطِعَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ حُلَفَائِنَا مِنَ الْيَهُودِ فَلَا يُمِيرُونَنَا فَنَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ
[الْحَج: ١٥] الْآيَاتِ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، مِنْهُمْ: عُيَيْنَةُ بن حِصْنٍ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالُوا: نَدْخُلُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ فَإِنْ أَصَبْنَا خَيْرًا عَرَفْنَا أَنَّهُ حَقٌّ، وَإِنْ أَصَبْنَا غَيْرَ ذَلِكَ عَرَفْنَا أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَهَذَا كُله ناشىء عَنِ الْجَهْلِ وَتَخْلِيطِ الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِالْأَسْبَابِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَجَعْلِ الْمُقَارَنَاتِ الِاتِّفَاقِيَّةِ كَالْمَعْلُومَاتِ اللُّزُومِيَّةِ. وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الضَّلَالَةِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا. وَلَنِعْمَ الْمُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ إِذْ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَطَلُّبِ الْمُسَبِّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا.
وَحَرْفُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَجَانِبُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُرْتَفِعًا كَحَرْفِ الْجَبَلِ وَالْوَادِي أَمْ كَانَ مُسْتَوِيًا كَحَرْفِ الطَّرِيقِ. وَيُطْلَقُ الْحَرْفُ عَلَى طَرَفِ الْجَيْشِ وَيُجْمَعُ عَلَى طِرَفٍ بِوَزْنِ عِنَبٍ قَالَ فِي «الْقَامُوسِ» : وَلَا نَظِيرَ لَهُ سِوَى طَلٍّ وَطِلَلٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْمُتَرَدِّدِ فِي عَمَلِهِ، يُرِيدُ تَجْرِبَةَ عَاقِبَتِهِ بِحَالِ مَنْ يَمْشِي عَلَى حَرْفِ جَبَلٍ أَوْ حَرْفِ وَاد فَهُوَ متهيّىء لِأَنْ يَزِلَّ عَنْهُ إِلَى أَسْفَلِهِ فَيَنْقَلِبَ، أَيْ يَنْكَبَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute