وَزَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرَ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ كَانَتَا فِي مَسَاقِ بَيَانِ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَفِي كُلِّ أُمَّةٍ. وَزِيدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرُ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَالْمَجُوسُ وَالْمُشْرِكُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَهُمْ أهل دين يثبت إِلَهَيْنِ: إِلَهًا لِلْخَيْرِ، وَإِلَهًا لِلشَّرِّ، وَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ.
ثُمَّ هِيَ تَتَشَعَّبُ شُعَبًا تَأْوِي إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ. وَأَقْدَمُ النِّحَلِ الْمَجُوسِيَّةِ أَسَّسَهَا (كِيُومَرْث) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَلِكٍ بِفَارِسَ فِي أَزْمِنَةٍ قَدِيمَةٍ يُظَنُّ أَنَّهَا قَبْلَ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِذَلِكَ يُلَقَّبُ أَيْضًا بِلَقَبِ (جَل شَاهْ) (١) تَفْسِيرُهُ: مَلِكُ الْأَرْضِ. غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَضْبُوطًا بِوَجْهٍ عِلْمِيٍّ وَكَانَ عَصْرُ (كِيُومَرْث) يُلَقَّبُ (زُرْوَان) أَيِ الْأَزَلَ، فَكَانَ أَصْلُ الْمَجُوسِيَّةِ هُمْ أَهْلُ الدِّيَانَةِ الْمُسَمَّاةِ: الزُّرْوَانِيَّةُ وَهِيَ تُثْبِتُ إِلَهَيْنِ هُمَا (يَزْدَان) وَ (أَهْرُمُن) . قَالُوا: كَانَ يزذان مُنْفَرِدًا بِالْوُجُودِ الْأَزَلِيِّ، وَأَنَّهُ كَانَ نُورَانِيًّا، وَأَنَّهُ بَقِيَ كَذَلِكَ تِسْعَةَ آلَافٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ثُمَّ حَدَثَ لَهُ خَاطِرٌ فِي نَفْسِهِ: أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ لَهُ مُنَازِعٌ كَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ فَنَشَأَ مِنْ هَذَا الْخَاطِرِ مَوْجُودٌ جَدِيدٌ ظُلْمَانِيٌّ سُمِّيَ (أَهْرُمُن) وَهُوَ إِلَهُ الظُّلْمَةِ مَطْبُوعًا عَلَى الشَّرِّ وَالضُّرِّ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ فِي لُزُومِيَّاتِهِ:
قَالَ أُنَاسٌ بَاطِلٌ زَعْمُهُمْ ... فَرَاقِبُوا اللَّهَ وَلَا تَزْعُمُنْ
فَكَّرَ يَزْدَانُ عَلَى غِرَّةٍ ... فَصِيغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ أَهْرُمُنْ
فَحَدَثَ بَيْنَ (أَهْرُمُن) وَبَيْنَ (يَزْدَان) خِلَافٌ وَمُحَارَبَةٌ إِلَى الْأَبَدِ. ثُمَّ نَشَأَتْ عَلَى هَذَا الدِّينِ نِحَلٌ خُصَّتْ بِأَلْقَابٍ وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ التَّعَالِيمِ
(١) لَعَلَّ صَوَاب الْعبارَة «جهان شاه» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute