(٥٤)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الْحَج: ٤٩] لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْضَى الْكَلَامُ السَّابِقُ إِلَى تثبيت النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتَأْنِيسِ نَفْسِهِ فِيمَا يَلْقَاهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِأَنَّ تِلْكَ شَنْشَنَةُ الْأُمَمِ الظَّالِمَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ فِيمَا جَاءَ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ [الْحَج: ٤٨] إِلَخْ ... وَأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى النِّذَارَةِ فَمَنْ آمَنَ فَقَدْ نَجَا وَمَنْ كَفَرَ فَقَدْ هَلَكَ، أُرِيدَ الِانْتِقَالُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى تَفْصِيلِ تَسْلِيَتِهِ وَتَثْبِيتِهِ بِأَنَّهُ لَقِيَ مَا لَقِيَهُ سَلَفُهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنْ مُحَاوَلَةِ الشَّيْطَانِ أَنْ يُفْسِدَ بَعْضَ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ هَدْيِ الْأُمَمِ وَأَنَّهُمْ لَقُوا مِنْ أَقْوَامِهِمْ مُكَذِّبِينَ وَمُصَدِّقِينَ سُنَّةَ اللَّهِ فِي رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
فَقَوْلُهُ: مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيءٍ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ، فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَعْدُ أَحَدًا مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.
وَعَطْفُ نَبِيءٍ عَلَى رَسُولٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيءِ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى الرَّسُولِ:
فَالرَّسُولُ: هُوَ الرَّجُلُ الْمَبْعُوثُ مِنَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ بِشَرِيعَةٍ. وَالنَّبِيءُ: مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِإِصْلَاحِ أَمْرِ قَوْمٍ بِحَمْلِهِمْ عَلَى شَرِيعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا فَالنَّبِيءُ أَعَمُّ مِنَ الرَّسُولِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ.
وَالتَّمَنِّي: كَلِمَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَحَقِيقَتُهَا: طَلَبُ الشَّيْءِ الْعَسِيرِ حُصُولُهُ. وَالْأُمْنِيَّةُ: الشَّيْءُ الْمُتَمَنَّى. وَإِنَّمَا يَتَمَنَّى الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُمِِِِْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute