للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُلُّهُمْ صَالِحِينَ مُهْتَدِينَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالٍ تَابِعَةٍ لِعُمُومِ أَصْحَابِهَا وَهُوَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيءٍ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَاهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ إِذَا تَمَنَّى أَحَدُهُمْ أُمْنِيَّةً أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِيهَا إِلَخْ، أَيْ فِي حَالِ حُصُولِ الْإِلْقَاءِ عِنْدَ حُصُولِ التَّمَنِّي لِأَنَّ أَمَانِيَّ الْأَنْبِيَاءِ خَيْرٌ مَحْضٌ وَالشَّيْطَانُ دَأْبُهُ الْإِفْسَادُ وَتَعْطِيلُ الْخَيْرِ.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ دُونَ أَنْ نُرْسِلَ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي حَالِ الْخُلُوِّ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ وَمَكْرِهِ.

وَالْإِلْقَاءُ حَقِيقَتُهُ: رَمْيُ الشَّيْءِ مِنَ الْيَدِ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْوَسْوَسَةِ وَتَسْوِيلِ الْفَسَادِ تَشْبِيهًا لِلتَّسْوِيلِ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْيَدِ بَيْنَ النَّاسِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [طه:

٨٧] وَقَوْلُهُ: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ [النَّحْل: ٨٦] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها [طه: ٩٦] عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

وَمَفْعُولُ أَلْقَى مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُلْقِي الشَّرَّ وَالْفَسَادَ، فَإِسْنَادُ التَّمَنِّي إِلَى الْأَنْبِيَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَمَنِّي الْهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَإِسْنَادُ الْإِلْقَاءِ إِلَى الشَّيْطَانِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِلْقَاءُ الضَّلَالِ وَالْفَسَادِ. فَالتَّقْدِيرُ: أَدْخَلَ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسِ الْأَقْوَامِ ضَلَالَاتٍ تُفْسِدُ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْإِرْشَادِ.

وَمَعْنَى إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيءِ وَالرَّسُولِ إِلْقَاءُ مَا يُضَادُّهَا، كَمَنْ يَمْكُرُ فَيُلْقِي السمّ فِي الدّسم، فَإِلْقَاءُ الشَّيْطَانِ بِوَسْوَسَتِهِ: أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالتَّكْذِيبِ وَالْعِصْيَانِ، وَيُلْقِيَ فِي قُلُوبِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ مَطَاعِنَ يَبُثُّونَهَا فِي قَوْمِهِمْ، وَيُرَوِّجُ الشُّبُهَاتِ بِإِلْقَاءِ الشُّكُوكِ الَّتِي تَصْرِفُ نَظَرَ الْعَقْلِ عَنْ تَذَكُّرِ الْبُرْهَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ الْإِرْشَادَ وَيُكَرِّرُ الْهَدْيَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيءِ، وَيَفْضَحُ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ وَسُوءَ فِعْلِهِِِِِ