مِنْ حِرْصِهِ أَوْ أَنْ يُضْجِرَهُ، وَهِيَ خَوَاطِرُ تَلُوحُ فِي النَّفْسِ وَلَكِنَّ الْعِصْمَةَ تَعْتَرِضُهَا فَلَا يَلْبَثُ ذَلِكَ الْخَاطِرُ أَنْ يَنْقَشِعَ وَيَرْسَخَ فِي نَفْسِ الرَّسُولِ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنَ الدَّأْبِ عَلَى الدَّعْوَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الرُّشْدِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُلَوِّحًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْأَنْعَام: ٣٥] .
وثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، لِأَنَّ إِحْكَامَ الْآيَاتِ وَتَقْرِيرَهَا أَهَمُّ مِنْ نَسْخِ مَا يلقِي الشَّيْطَان إِذْ بِالْإِحْكَامِ يَتَّضِحُ الْهُدَى وَيَزْدَادُ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ نَسْخًا.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ مُعْتَرِضَةٌ.
وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ يَرْجُونَ اهْتِدَاءَ قَوْمِهِمْ مَا اسْتَطَاعُوا فَيُبَلِّغُونَهُمْ مَا يَنْزِلُ إِلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ وَيَعِظُونَهُمْ وَيَدْعُونَهُمْ بِالْحُجَّةِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّ أُمْنِيَّتَهُمْ قَدْ نَجَحَتْ وَيَقْتَرِبُ الْقَوْمُ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ قَوْلَهُمْ: أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها [الْفرْقَان: ٤١- ٤٢] فَيَأْتِي الشَّيْطَانُ فَلَا يَزَالُ يُوَسْوِسُ فِي نُفُوسِ الْكُفَّارِ فَيَنْكِصُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَتِلْكَ الْوَسَاوِسُ ضُرُوبٌ شَتَّى مِنْ تَذْكِيرِهِمْ بِحُبِّ آلِهَتِهِمْ، وَمِنْ تَخْوِيفِهِمْ بِسُوءِ عَاقِبَةِ نَبْذِ دِينِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الضَّلَالَاتِ الَّتِي حُكِيَتْ عَنْهُمْ فِي تَفَاصِيلِ الْقُرْآنِ، فَيَتَمَسَّكُ أَهْلُ الضَّلَالَةِ بِدِينِهِمْ وَيَصُدُّونَ عَنْ دَعْوَةِ رُسُلِهِمْ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها [الْفرْقَان: ٤٢] وَقَوْلِهِ: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ [ص: ٦] . وَكُلَّمَا أَفْسَدَ الشَّيْطَانُ دَعْوَةَ الرُّسُلِ أَمَرَ اللَّهُ رُسُلَهُ فَعَاوَدُوا الْإِرْشَادَ وَكَرَّرُوهُ وَهُوَ سَبَبُ تَكَرُّرِ مَوَاعِظَ مُتَمَاثِلَةٍ فِي الْقُرْآنِ، فَبِتِلْكَِِِِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute