للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُعَاوَدَةِ يَنْسَخُ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَتَثْبُتُ الْآيَاتُ السَّالِفَةُ. فَالنَّسْخُ:

الْإِزَالَةُ، وَالْإِحْكَامُ: التَّثْبِيتُ. وَفِي كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ حَذْفُ مُضَافٍ، أَيْ ينْسَخ آثَار مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، وَيُحْكِمُ آثَارَ آيَاتِهِ.

وَاللَّامَانِ فِي قَوْلِهِ لِيَجْعَلَ وَفِي قَوْله وَلِيَعْلَمَ متعلقان بِفِعْلِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ فَإِنَّ النَّسْخَ يَقْتَضِي مَنْسُوخًا، وَفِي يَجْعَلُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَيَنْسَخُ اللَّهُ.

وَالْجَعْلُ هُنَا: جَعْلُ نِظَامِ تَرَتُّبِ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا، وَتَكْوِينِ تَفَاوُتِ الْمَدَارِكِ وَمَرَاتِبِ دَرَجَاتِهَا. فَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ مَكَّنَ الشَّيْطَانَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِأَصْلِ فِطْرَتِهِ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ فِيهِ دَاعِيَةَ الْإِضْلَالِ، وَنَسْخُ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ وَآيَاتِهِ لِيَكُونَ مِنْ ذَلِكَ فِتْنَةُ ضَلَالِ كُفْرٍ وَهَدْيُ إِيمَانٍ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْقَابِلِيَّاتِ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر: ٣٩- ٤٠] .

وَلَامُ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى التَّرَتُّبِ مِثْلُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا [الْقَصَص: ٨] . وَهِيَ مُسْتَعَارَةٌ لِمَعْنَى التَّعْقِيبِ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، أَيْ تَحْصُلُ عَقِبَ النَّسْخِ الَّذِي فَعَلَهُ اللَّهُ فتْنَة من افْتتن مَنْ الْمُشْرِكِينَ بِانْصِرَافِهِمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي أَدِلَّةِ نَسْخِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ، وَعَنِ اسْتِمَاعِ مَا أَحْكَمَ اللَّهُ بِهِ آيَاتِهِ، فَيَسْتَمِرُّ كُفْرُهُمْ وَيَقْوَى.

وَأَمَّا لَامُ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَهِيَ عَلَى أَصْلِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، أَي ينْسَخ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ لِإِرَادَةِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ بِرُسُوخِ مَا تَمَنَّاهُ الرَّسُولُ وَالْأَنْبِيَاءُ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى كَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِمَا يُحْكِمُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ ازْدِيَادُ الْهُدَى فِي قُلُوبِهِمْ.