وَالْغَرَضُ مِنْهَا التَّهْيِئَةُ لِلْجِهَادِ وَالْوَعْدُ بِالنَّصْرِ الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ سَابِقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الْحَج: ٣٩- ٤٠] ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مُعْتَرِضًا فِي خِلَالِ النَّعْيِ عَلَى تَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِينَ وَكُفْرِهِمُ النِّعَمَ، فَأُكْمِلَ الْغَرَضُ الْأَوَّلُ بِمَا فِيهِ مِنِ انْتِقَالَاتٍ، ثُمَّ عُطِفَ الْكَلَامُ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ لَمْحَةٌ فَعَادَ الْكَلَامُ هُنَا إِلَى الْوَعْدِ بِنَصْرِ اللَّهِ الْقَوْمَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ كَمَا وَعَدَهُمْ بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ.
وَجِيءَ بِإِشَارَةِ الْفَصْلِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ مَا بعده.
وَمَا صدق (مَنْ) الْمَوْصُولَةِ الْعُمُومُ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَلَفَ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الْحَج: ٣٩] ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ قِتَالُ جَزَاءٍ عَلَى اعْتِدَاءٍ سَابِقٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الْحَج: ٣٩] .
وَتَغْيِيرُ أُسْلُوبِ الْجَمْعِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ [الْحَج: ٣٩] إِلَى أُسْلُوبِ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ عاقَبَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى إِرَادَةِ الْعُمُوم من هَذَا الْكَلَامُ لِيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ لِسُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ.
وَلَمَّا أَتَى فِي الصِّلَةِ هُنَا بِفِعْلِ عاقَبَ مَعَ قَصْدِ شُمُولِ عُمُومِ الصِّلَةِ لِلَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ الْقِتَالَ الْمَأْذُونَ لَهُمْ بِهِ قِتَالُ جَزَاءٍ عَلَى ظُلْمٍ سَابِقٍ.
وَفِي ذَلِكَ تَحْدِيدٌ لِقَانُونِ الْعِقَابِ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِلْعُدْوَانِ الْمَجْزِيِّ عَلَيْهِ، أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ أَشَدَّ مِنْهُ.
وَسُمِّيَ اعْتِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عِقَابًا فِي قَوْلِهِ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ لِأَنَّ الَّذِي دَفَعَ الْمُعْتَدِينَ إِلَى الِاعْتِدَاءِ قَصْدُ الْعِقَابِ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَنْ دِينِ الشِّرْكِ وَنَبْذِ عِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ. وَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute