ظُلْمٌ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الْحَج: ٤٠] .
وَمَعْنَى بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْجِنْسِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ آذَوُا الْمُسْلِمِينَ
وَأَرْغَمُوهُمْ عَلَى مُغَادَرَةِ مَوْطِنِهِمْ فَيَكُونُ عِقَابُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ مَنْ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَطَنِ. وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْجِهَادِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَهْلَ كَثْرَةٍ وَكَانُوا مُسْتَعْصِمِينَ بِبَلَدِهِمْ فَإِلْجَاءُ مَنْ يُمْكِنُ إِلْجَاؤُهُ إِلَى مُفَارَقَةِ وَطَنِهِ، إِمَّا بِالْقِتَالِ فَهُوَ إِخْرَاجٌ كَامِلٌ، أَوْ بِالْأَسْرِ.
وثُمَّ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ، فَ (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ فَإِنَّ الْبَغْيَ عَلَيْهِ أَهَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ إِذْ كَانَ مَبْدُوءًا بِالظُّلْمِ كَمَا يُقَالُ «الْبَادِئُ أَظْلَمُ» . فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مَحْقُوقِينَ بِأَنْ يُعَاقَبُوا لِأَنَّهُمْ بَغَوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَمَعْنَى الْآيَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
[التَّوْبَة: ١٣] .
وَكَانَ هَذَا شَرْعًا لِأَصُولِ الدِّفَاعِ عَنِ الْبَيْضَةِ، وَأَمَّا آيَاتُ التَّرْغِيبِ فِي الْعَفْوِ فَلَيْسَ هَذَا مَقَامَ تَنْزِيلِهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِي شَرْعِ مُعَامَلَاتِ الْأُمَّةِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَقَدْ أَكَّدَ لَهُمُ اللَّهُ نَصْرَهُ إِنْ هُمُ امْتَثَلُوا لِمَا أُذِنُوا بِهِ وَعَاقَبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبُوا بِهِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْآيَة تكلفات تنبىء عَنْ حَيْرَةٍ فِي تَلْئِيمِ مَعَانِيهَا.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ تَعْلِيلٌ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِذْنِ فِي الْعِقَابِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ دُونَ الزِّيَادَةِ فِي الِانْتِقَامِ مَعَ أَنَّ الْبَادِئَ أَظْلَمُ بِأَنَّ عَفْوَ اللَّهِ وَمَغْفِرَتَهُ لِخَلْقِهِ قَضَيَا بِحِكْمَتِهِ أَنْ لَا يَأْذَنَ إِلَّا بِمُمَاثَلَةِ الْعِقَابِ لِلذَّنْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْفَقُ بِالْحَقِّ. وَمِمَّا يُؤْثَرُ عَنْ كِسْرَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: بِمَ دَامَ مُلْكُكُمْ؟ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute