للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي هُدِّدُوا بِهِ. وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَالْقَوْلُ لَفْظِيٌّ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَطْعُ طَمَاعِيَتِهِمْ فِي النَّجَاةِ.

وَالنَّهْيُ عَنِ الْجُؤَارِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. وَوُرُودُ النَّهْيِ فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ مَقِيسٌ عَلَى وُرُودِ الْأَمْرِ فِي التَّسْوِيَةِ. وَعَثَرْتُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطّور: ١٦] .

وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي التَّسْوِيَةِ، أَيْ لَا تَجْأَرُوا إِذْ لَا جَدْوَى لِجُؤَارِكُمْ إِذْ لَا يَقْدِرُ مُجِيرٌ أَنْ يُجِيرَكُمْ مِنْ عَذَابِنَا، فَمَوْقِعُ (إِنَّ) إِفَادَةُ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهَا تُغْنِي غِنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ.

وَضُمِّنَ تُنْصَرُونَ مَعْنَى النَّجَاةِ فَعُدِّيَ الْفِعْلُ بِ (مِنْ) ، أَيْ لَا تَنْجُونَ مِنْ عَذَابِنَا. فَثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ بَعْدَ (مِنْ) ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ شَائِعٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِجَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ.

وَقَوْلُهُ: قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ اسْتِئْنَافٌ. وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْدِيمِ وَالتَّلْهِيفِ. وَإِنَّمَا لَمْ تُعْطَفِ الْجُمْلَةُ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ لِقَصْدِ إِفَادَةِ مَعْنَى بِهَا غَيْرِ التَّعْلِيلِ إِذْ لَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عِلَّتَيْنِ.

وَالْآيَاتُ هُنَا هِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ بِقَرِينَةِ تُتْلى إِذِ التِّلَاوَةُ الْقِرَاءَةُ.

وَالنُّكُوصُ: الرُّجُوعُ مِنْ حَيْثُ أَتَى، وَهُوَ الْفِرَارُ. وَالْأَعْقَابُ: مُؤَخَّرُ الْأَرْجُلِ.

وَالنُّكُوصُ هُنَا تَمْثِيلٌ لِلْإِعْرَاضِ وَذِكْرُ الْأَعْقَابِ تَرْشِيحٌ لِلتَّمْثِيلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٤٨] .

وَذُكِرَ فِعْلُ (كُنْتُمْ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُمْ. وَذُكِرَ الْمُضَارِعُ لِلدَّلَالَةِ على التكرر فَلذَلِك خُلُقٌ مِنْهُمْ مُعَادٌ مَكْرُورٌ.

وَضَمِيرُ بِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْآيَاتِ لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَيَكُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِمَعْنَى مُعْرِضِينَ اسْتِكْبَارًا وَيَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى (عَنْ) ، أَوْ ضُمِّنَ مُسْتَكْبِرِينَ مَعْنَى سَاخِرِينَ فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَضْمِينِهِ.