وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْبَيْتِ أَوِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي الْأَذْهَانِ فَلَا يُسْمَعُ ضَمِيرٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَعَادٌ إِلَّا وَيُعْلَمُ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذُكِرَتْ تِلَاوَةُ الْآيَاتِ عَلَيْهِمْ. وَإِنَّمَا كَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ هُوَ مُجْتَمَعُهُمْ. فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلظَّرْفِيَّةِ. وَفِيهِ إِنْحَاءٌ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِكْبَارِهِمْ.
وَفِي كَوْنِ اسْتِكْبَارِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مَظْهَرًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَالِاسْتِكْبَارُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي شَأْنُ الْقَائِمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا أَشْنَعُ اسْتِكْبَارٍ.
وَعَنْ مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ قَاضِي قُرْطُبَةٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ بِهِ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبَاءُ حِينَئِذٍ لِلتَّعْدِيَةِ، وَتَضْمِينُ مُسْتَكْبِرِينَ مَعْنَى مُكَذِّبِينَ لِأَنَّ اسْتِكْبَارَهُمْ هُوَ سَبَبُ التَّكْذِيبِ.
وسامِراً حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ، أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ سَامِرِينَ. وَالسَّامِرُ:
اسْمٌ لِجَمْعِ السَّامِرِينَ، أَيِ الْمُتَحَدِّثِينَ فِي سَمَرِ اللَّيْلِ وَهُوَ ظُلْمَتُهُ، أَوْ ضَوْءُ قَمَرِهِ. وَأُطْلِقَ السَّمَرُ عَلَى الْكَلَامِ فِي اللَّيْلِ، فَالسَّامِرُ كَالْحَاجِّ وَالْحَاضِرِ وَالْجَامِلِ بِمَعْنَى الْحُجَّاجُ وَالْحَاضِرِينَ وَجَمَاعَةُ الْجُمَّالِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سامِراً مُرَادًا مِنْهُ مَجْلِسُ السَّمَرِ حَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلْحَدِيثِ لَيْلًا وَيَكُونُ نَصْبُهُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ فِي سَامِرِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت: ٢٩] .
وتَهْجُرُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ مُضَارِعُ أَهْجَرَ: إِذَا
قَالَ الْهُجْرُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهُوَ اللَّغْوُ والسب وَالْكَلَام السيء. وَقَرَأَ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ هَجَرَ إِذَا لَغَا. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ سامِراً، أَيْ فِي حَالِ كَوْنِكُمْ مُتَحَدِّثِينَ هَجْرًا وَكَانَ كُبَرَاءُ قُرَيْشٍ يَسْمُرُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ يَتَحَدَّثُونَ بِالطَّعْنِ فِي الدِّينِ وَتَكْذيب الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute