للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَذَابِ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَذَابٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ آنِفًا مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ إِعَادَةَ ذِكْرِ الْأَوَّلِ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [١٣- ١٥] أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ إِلَى قَوْله إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ. وَالْمَعْنَى فَلَمْ يَكُنْ حَظُّهُمْ حِينَ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ إِلَّا العويل والجؤار دُونَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

وَقِيلَ: هَذَا عَذَابٌ آخَرُ سَابِقٌ لِلْعَذَابِ الْمَذْكُورِ آنِفًا فَيَتَرَكَّبُ هَذَا عَلَى التَّفَاسِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ عَذَابُ الْجُوعِ الْأَوَّلِ أَوْ عَذَابُ الْجُوعِ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ لِعَذَابِ يَوْمِ بَدْرٍ.

وَالِاسْتِكَانَةُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخُضُوعِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ السُّكُونِ لِأَنَّ الَّذِي يَخْضَعُ يَقْطَعُ الْحَرَكَةَ أَمَامَ مَنْ خَضَعَ لَهُ، فَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ السُّكُونِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ السُّكُونِ وَقُوَّتِهِ.

وَأَلِفُهُ أَلِفُ الِافْتِعَالِ مِثْلُ الِاضْطِرَابِ، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي اسْتِعَاذَةٍ.

وَقِيلَ الْأَلِفُ لِلْإِشْبَاعِ، أَيْ زِيدَتْ فِي الِاشْتِقَاقِ فَلَازَمَتِ الْكَلِمَةَ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْإِشْبَاعِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْتَعْمِلُونَ شُذُوذًا كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَيْ غَضُوبٍ جَسْرَةٍ أَيْ يَنْبُعُ. وَأَشَارَ فِي «الْكَشَّافِ» إِلَى الِاسْتِشْهَادِ عَلَى الْإِشْبَاعِ فِي نَحْوِهِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ هَرْمَةَ:

وَأَنْتَ مِنَ الْغَوَائِلِ حِينَ تُرْمَى ... وَمِنْ ذَمِّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ

أَرَادَ: بِمُنْتَزَحٍ فَأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ.

وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ اسْتَكانُوا اسْتِفْعَالًا مِنَ الْكَوْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ: جِهَةِ مَادَّتِهِ فَإِنَّ مَعْنَى الْكَوْنِ فِيهِ غَيْرُ وَجِيهٍ وَجِهَةِ صِيغَتِهِ لِأَنَّ حَمْلَ السِّينِ وَالتَّاءِ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الطَّلَبِ غَيْرُ وَاضِحٍ.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي يَتَضَرَّعُونَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَجَدُّدِ انْتِفَاءِ تَضَرُّعِهِمْ. وَالتَّضَرُّعُ:

الدُّعَاءُ بِتَذَلُّلٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فِي سُورَةِ