حَمَلَتْهَا الْغَيْرَةُ لأختها ضرَّة عَائِشَة وَسَاعَدَهُمْ فِي حَدِيثِهِمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.
فَالْإِفْكُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الِاخْتِلَاقِ.
وَالْعُصْبَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى أَرْبَعِينَ كَذَا قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقِيلَ الْعُصْبَةُ:
الْجَمَاعَةُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ فِي مُصْحَفِ حَفْصَةَ «عُصْبَةٌ أَرْبَعَة مِنْكُم» . وهم اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ مِنْ لَفْظِهِ، وَيُقَالُ: عِصَابَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ [٨] .
وعُصْبَةٌ بَدَلٌ من ضمير جاؤُ.
وَجُمْلَةُ: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ خَبَرُ إِنَّ. وَالْمَعْنَى: لَا تَحْسَبُوا إِفْكَهُمْ شَرًّا لَكُمْ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ مِنْ تَحْسَبُوهُ لَمَّا عَادَ إِلَى الْإِفْكِ وَكَانَ الْإِفْكُ مُتَعَلقا بِفعل جاؤُ صَارَ الضَّمِيرُ فِي قُوَّةِ الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْعَهْدِ. فَالتَّقْدِيرُ: لَا تَحْسَبُوا الْإِفْكَ الْمَذْكُورَ شَرًّا لَكُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ إِنَّ قَوْلَهُ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَتَكُونَ جُمْلَةُ لَا تَحْسَبُوهُ مُعْتَرِضَةً.
وَيَجُوزُ جَعْلُ عُصْبَةٌ خَبَرَ إِنَّ وَيَكُونُ الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ مِنَ الْقَوْمِ أَشَدُّ نُكْرًا، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ:
وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً ... عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
وَذِكْرُ عُصْبَةٌ تَحْقِيرٌ لَهُمْ وَلِقَوْلِهِمْ، أَيْ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِمْ فِي جَانِبِ تَزْكِيَةِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِمَنْ رَمَوْهُمَا بِالْإِفْكِ. وَوَصْفُ الْعُصْبَةِ بِكَوْنِهِمْ مِنْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي
ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ حَادُوا عَنْ خُلُقِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ تَصَدَّوْا لِأَذَى الْمُسْلِمِينَ.
وَقَوْلُهُ: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِإِزَالَةِ مَا حَصَلَ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَسَفِ مِنِ اجْتِرَاءِ عُصْبَةٍ عَلَى هَذَا الْبُهْتَانِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ فَضَمِيرُ تَحْسَبُوهُ عَائِدٌ إِلَى الْإِفْكِ.