للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشَّرُّ الْمَحْسُوبُ: أَنَّهُ أَحْدَثَ فِي نَفَرٍ مَعْصِيَةَ الْكَذِبِ وَالْقَذْفِ وَالْمُؤْمِنُونَ يَوَدُّونَ أَنْ تَكُونَ جَمَاعَتُهُمْ خَالِصَةً مِنَ النَّقَائِصِ (فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ) . فَلَمَّا حدث فيهم هَذَا الِاضْطِرَابُ حَسِبُوهُ شَرًّا نَزَلَ بِهِمْ.

وَمَعْنَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرًّا لَهُمْ لِأَنَّهُ يَضِيرُهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْأَسَفِ الزَّائِلِ وَهُوَ دُونَ الشَّرِّ لِأَنَّهُ آيِلٌ إِلَى تَوْبَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فَيَتَمَحَّضُ إِثْمُهُ لِلْمُنَافِقِينَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى لَا يَضُرُّ ضَلَالُهُمُ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَقِيقَةُ الْخَيْرِ مَا زَادَ نَفْعُهُ عَلَى ضُرِّهِ وَحَقِيقَةُ الشَّرِّ مَا زَادَ ضَرُّهُ عَلَى نَفْعِهِ. وَإِنَّ خَيْرًا لَا شَرَّ فِيهِ هُوَ الْجَنَّةُ وَشَرًّا لَا خَيْرَ فِيهِ هُوَ جَهَنَّمُ. فَنَبَّهَ اللَّهُ عَائِشَةَ وَمَنْ مَاثَلَهَا مِمَّنْ نَالَهُ هَمٌّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْهُ شَرٌّ بَلْ هُوَ خَيْرٌ عَلَى مَا وَضَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَالْخَيْرَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنَ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَرُجْحَانِ النَّفْعِ فِي جَانِبِ الْخَيْرِ وَرُجْحَانِ الضُّرِّ فِي جَانِبِ الشَّرِّ اهـ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخَيْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٧٦] .

وَبَعْدَ إِزَالَةِ خَاطِرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرًّا لِلْمُؤْمِنِينَ أَثْبَتَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ فَأَتَى بِالْإِضْرَابِ لِإِبْطَالِ أَنْ يَحْسَبُوهُ شَرًّا، وَإِثْبَاتِ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ لِأَنَّ فِيهِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً إِذْ يُمَيَّزُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ الْخُلَّصُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَتُشْرَعُ لَهُمْ بِسَبَبِهِ أَحْكَامٌ تَرْدَعُ أَهْلَ الْفِسْقِ عَنْ فِسْقِهِمْ، وَتَتَبَيَّنُ مِنْهُ بَرَاءَةُ فُضَلَائِهِمْ، وَيَزْدَادُ الْمُنَافِقُونَ غَيْظًا وَيُصْبِحُونَ مُحَقَّرِينَ مَذْمُومِينَ، وَلَا يَفْرَحُونَ بِظَنِّهِمْ حُزْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَقُوا هَذَا الْخَبَرَ مَا أَرَادُوا إِلَّا أَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَجِيءُ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ بِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالْإِنْبَاءِ بِالْغَيْبِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : ... وَفَوَائِدُ دِينِيَّةٌ وَآدَابٌ لَا تَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلِهَا اهـ.

وَعدل عَن أَنْ يَعْطِفَ خَيْراً عَلَى شَرًّا بِحَرْفِ (بَلْ) فَيُقَالُ: بَلْ خَيْرًا لَكُمْ، إِيثَارًا لِلْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ.