فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَإِذَا رُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَقُلْ: أَأَدْخُلُ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ» .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ وَأَنَّ السَّلَامَ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لِتَشْرِيعِ الِاسْتِئْذَانِ. وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَقَرَّرَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ مِنْ قَبْلُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ خَاصًّا بِحَالَةِ دُخُولِ الْبُيُوتِ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّلَامِ اخْتِصَاصٌ هُنَا وَإِنَّمَا ذُكِرَ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ لِئَلَّا يُلْهِيَ الِاسْتِئْذَانُ الطَّارِقَ فَيَنْسَى السَّلَامَ أَوْ يَحْسَبَ الِاسْتِئْذَانَ كَافِيًا عَنِ السَّلَامِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي كِتَابِ «الْمُعْلِمِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : الِاسْتِئْذَانُ مَشْرُوعٌ. وَقَالَ ابْنُ
الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» قَالَ جَمَاعَةٌ: الِاسْتِئْذَانُ فَرْضٌ وَالسَّلَامُ مُسْتَحَبٌّ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ: الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ. وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْ حُكْمِ الِاسْتِئْذَانِ سِوَى فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي «الرِّسَالَةِ» : الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ فَلَا تَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا فَإِنْ أَذِنَ لَكَ وَإِلَّا رَجَعْتَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «الْمُقَدِّمَاتِ» : الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ.
وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْمَالِكِيُّ فِي «شَرْحِ الرِّسَالَةِ» الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : الِاسْتِئْذَانُ مَشْرُوعٌ. وَهِيَ كَلِمَةُ الْمَازِرِيِّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» .
وَأَقُولُ: لَيْسَ قَرْنُ الِاسْتِئْذَانِ بِالسَّلَامِ فِي الْآيَةِ بِمُقْتَضٍ مُسَاوَاتَهُمَا فِي الحكم إِذا كَانَتْ هُنَالِكَ أَدِلَّةٌ أُخْرَى تُفَرِّقُ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا وَتِلْكَ أَدِلَّةٌ مِنَ السُّنَّةِ، وَمِنَ الْمَعْنَى فَإِنَّ فَائِدَةَ الِاسْتِئْذَانِ دَفْعُ مَا يُكْرَهُ عَنِ الْمَطْرُوقِ الْمَزُورِ وَقَطْعُ أَسْبَابِ الْإِنْكَارِ أَوِ الشَّتْمِ أَوِ الْإِغْلَاظِ فِي الْقَوْلِ مَعَ سَدِّ ذَرَائِعِ الرِّيبِ وَكُلُّهَا أَوْ مَجْمُوعُهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاسْتِئْذَانِ.
وَأَمَّا فَائِدَةُ السَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ فَهِيَ تَقْوِيَةُ الْأُلْفَةِ الْمُتَقَرِّرَةِ فَلَا تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ. فَالْقُرْآنُ أَمَرَ بِالْحَالَةِ الْكَامِلَةِ وَأَحَالَ تَفْصِيلَ أَجْزَائِهَا عَلَى تَبْيِينِ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النَّحْل: ٤٤] .
وَقَدْ أُجْمِلَتْ حِكْمَةُ الِاسْتِئْذَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أَيْ ذَلِكُمْ الِاسْتِئْذَانُ خَيْرٌ لَكُمْ، أَيْ فِيهِ خَيْرٌ لَكُمْ وَنَفْعٌ فَإِذَا تَدَبَّرْتُمْ عَلِمْتُمْ مَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ لَكُمْ كَمَا هُوَ الْمَرْجُوُّ مِنْكُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute