للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ جَمَعَتِ الْآيَةُ الِاسْتِئْذَانَ وَالسَّلَامَ بِوَاوِ الْعَطْفِ الْمُفِيدِ التَّشْرِيكَ فَقَطْ فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُدِّمَ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى السَّلَامِ أَوْ قُدِّمَ السَّلَامُ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ فَقَدْ جَاءَ بِالْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَوَرَدَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ الْأَمْرُ بِتَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى وَلَا يُعَارِضُ الْآيَةَ.

وَلَيْسَ لِلِاسْتِئْذَانِ صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ. وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ فَإِنَّمَا مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَهُمْ أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ أَجْمَعُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمُرَادِ. وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ يُكَرِّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ انْصَرَفَ.

وَوَرَدَ فِي هَذَا حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» وَهُوَ مَا رُوِيَ: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَأْذَنْ لي فَرَجَعت (وَفَسرهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِأَنَّ عُمَرَ كَانَ مُشْتَغِلًا بِبَعْضِ أَمْرِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَقَالَ: أَلَمْ

أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ قَالُوا: اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ) فَأَرْسَلَ وَرَاءَهُ فَجَاءَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ عُمَرُ: مَا مَنَعَكَ؟ قَالَ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:

إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً. قَالَ أَبُو مُوسَى: أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمعه من النبيء؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُنَا فَكُنْتُ أَصْغَرَهُمْ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيءَ قَالَ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ

. وَقَدْ عُلِمَ أَن الاسْتِئْذَان يَقْتَضِي إِذْنًا وَمَنْعًا وَسُكُوتًا فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فَذَاكَ وَإِنَّ مُنِعَ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الرُّجُوعِ الْمَفْهُومِ مِنَ ارْجِعُوا كَقَوْلِهِ: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: ٨] .