وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى السَّحَابِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] فِي قَوْلِهِ: وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ الرَّعْدِ [١٢] .
وَدَخَلَتْ (بَيْنَ) عَلَى ضَمِيرِ السَّحَابِ لِأَنَّ السَّحَابَ ذُو أَجْزَاءٍ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ أَيْ يُؤَلِّفُ بَيْنَ السَّحَابَاتِ مِنْهُ.
وَالرُّكَامُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّكْمِ. وَالرَّكْمُ: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ. وَوَزْنُ فُعَالٍ وَفُعَالَةٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِ. فَالرُّكَامُ بِمَعْنَى الْمَرْكُومِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فِي سُورَةِ الطُّورِ [٤٤] .
فَإِذَا تَرَاكَمَ السَّحَابُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ حَدَثَ فِيهِ مَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ حَوَادِثِ الْجَوِّ بِالسِّيَالِ الْكَهْرَبَائِيِّ وَهُوَ الْبَرْقُ. فَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الْوَدْقُ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْوَدْقَ هُوَ الْمَطَرُ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَتْ عَلَيْهِ دَوَاوِينُ اللُّغَةِ، وَالْمَطَرُ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِ السَّحَابِ.
وَالْخِلَالُ: الْفُتُوقُ، جَمْعُ خَلَلٍ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ. وَتَقَدَّمَ خِلالَ الدِّيارِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٥] .
وَمَعْنَى يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ يُسْقِطُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ، أَيْ يُنَزِّلُ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. وَالسَّمَاءُ: الْجَوُّ الَّذِي فَوْقَ جِهَة من الْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ جِبالٍ بَدَلٌ مِنَ السَّماءِ بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ الْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِبَالِ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ.
وَإِطْلَاقُ الْجِبَالِ فِي تَشْبِيهِ الْكَثْرَةِ مَعْرُوفٌ. يُقَالُ: فُلَانٌ جَبَلُ عِلْمٍ، وَطَوْدُ عِلْمٍ.
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبَا لَسَرَّنِي أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ»
أَيْ مَا كَانَ يَسُرُّنِي، فَالْكَلَامُ بِمَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ لَمَا سَرَّنِي. أَوْ لَمَا كَانَ سَرَّنِي إِلَخْ.