وَحَرْفُ مِنْ الْأَوَّلِ لِلِابْتِدَاءِ ومِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ ومِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ بَرَدٍ مَزِيدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى رَأْيِ الَّذِينَ جَوَّزُوا زِيَادَةَ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ. أَوْ تَكُونُ مِنْ اسْمًا
بِمَعْنَى بَعْضٍ.
وَمَفْعُولُ يُنَزِّلُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِيها مِنْ بَرَدٍ وَالتَّقْدِيرُ: يُنَزِّلُ بَرَدًا.
وَوُقُوعُ مِنْ زَائِدَةً لِقَصْدِ مُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ: مِنْ جِبالٍ.
وَقَوْلُهُ: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ جَعَلَ نُزُولَ الْبَرْدِ إِصَابَةً لِأَنَّ الْإِصَابَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ فِي كَلَامِهِمْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا حُلُولٌ مَكْرُوهٌ. وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتِ الْمُصِيبَةُ الْحَادِثَةُ الْمَكْرُوهَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [التَّوْبَة: ٥٠] فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: حَسَنَةٌ قَرِينَةٌ عَلَى إِطْلَاقِ الْإِصَابَةِ عَلَى مُطْلَقِ الْحُدُوثِ إِمَّا مَجَازًا مُرْسَلًا وَإِمَّا مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا أَوْ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا فَإِنَّ (أَصَابَ) مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّوْبِ وَهُوَ النُّزُولُ وَمِنْهُ صَوْبُ الْمَطَرِ، فَجَعَلَ نُزُولَ الْبَرَدِ إِصَابَةً لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَةَ، فَضَمِيرُ بِهِ لِلْبَرْدِ.
وَجُمْلَةُ: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ وَصْفٌ لِ سَحاباً. وَضَمِيرُ بَرْقِهِ عَائِدٌ إِلَى سَحاباً. وَفَائِدَةُ هَذِهِ الصِّفَةِ تَنْبِيهُ الْعُقُولِ إِلَى التَّدَبُّرِ فِي هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ إِذْ كَانَ شُعُورُ النَّاسِ بِحُدُوثِ الْبَرْقِ أَوْضَحَ وَأَكْثَرَ مِنْ شُعُورِهِمْ بِتَكَوُّنِ السَّحَابِ وَتَرَاكُمِهِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَالْبَرَدِ، إِذْ قَدْ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ حُدُوثِهِ وَتَعَوُّدِهِمْ بِهِ بِخِلَافِ اشْتِدَادِ الْبَرْقِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لَهُ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْأَبْصَارِ الَّتِي حَرَّكَهَا خَفْقُ الْبَرْقِ يَتَذَكَّرُونَ تِلْكَ الْحَالَةَ الْعَجِيبَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْقُدْرَةِ. وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ خُصِّصَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ مِنْ أَحْوَالِ الْبَرْقِ بِالذِّكْرِ.
وَالسَّنَا مَقْصُورًا: ضَوْءُ الْبَرْقِ وَضَوْءُ النَّارِ. وَأَمَّا السَّنَاءُ الْمَمْدُودُ فَهُوَ الرِّفْعَةُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ فِي مُتَشَابِهِ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ:
زَالَ السنا عَن ناظري ... هـ وَزَالَ عَنْ شَرَفِ السَّنَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute