مِنْ عَلِيٍّ فَخَرَجَتْ فِيهَا أَحْجَارٌ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إِنْ حَاكَمْتَهُ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ يَحْكُمُ لَهُ فَلَا تُحَاكِمْهُ إِلَيْهِ. فَنَزَلَتِ الْآيَاتُ. وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ ثِقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا أَشُكُّ فِي أَنَّهُ مِمَّا اعْتِيدَ إِلْصَاقُهُ بِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْ تِلْقَاءِ الْمُشَوِّهِينَ لِدَوْلَتِهِمْ تَطَلُّعًا لِلْفِتْنَةِ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَهَلْ يُظَنُّ بِهِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيْنَ مُسْلِمِينَ.
وَإِنَّمَا جَعَلَ الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كِلَيْهِمَا مَعَ أَنَّهُمْ دُعُوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ حُكْمُ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ. وَلِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ:
لِيَحْكُمَ الْعَائِدَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَلَمْ يَقُلْ: لِيَحْكُمَا.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ أَي إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَعْنَى: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ أَنَّهُ يَكُونُ فِي ظَنِّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَيَقِينِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمْ وَهُوَ الْعَالِمُ بِأَنَّهُ مُبْطِلٌ لَا يَأْتِي إِذَا دُعِيَ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْفَرِيقَ الْمُعْرِضِينَ هُمُ الْمُبْطِلُونَ. وَكَذَلِكَ شَأْنُ كُلِّ مَنْ هُوَ عَلَى الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَأْبَى مِنَ الْقَضَاءِ الْعَادِلِ، وَشَأْنُ الْمُبْطِلِ أَنْ يَأْبَى الْعَدْلَ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُلَائِمُ حُبُّهُ الِاعْتِدَاءَ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ، فَسَبَبُ إِعْرَاضِ الْمُعْرِضِينَ عِلْمُهُمْ بِأَنَّ فِي جَانِبِهِمُ الْبَاطِلُ وَهُمْ قَدْ تَحَقَّقُوا أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِصُرَاحِ الْحَقِّ.
وَهَذَا وَجْهُ مَوْقِعِ جُمْلَةِ: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ إِلَى آخِرِهَا.
وَوَقَعَ حَرْفُ إِذا الْمُفَاجَأَةِ فِي جَوَابِ إِذا الشَّرْطِيَّةِ لِإِفَادَةِ مُبَادَرَتِهِمْ بِالْإِعْرَاضِ دُونَ تَرَيُّثٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَيْقَنُوا مِنْ قَبْلُ بِعَدَالَةِ الرَّسُولِ وَأَيْقَنُوا بِأَنَّ الْبَاطِلَ فِي جَانِبِهِمْ فَلَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي الْإِعْرَاضِ.
وَالْإِذْعَانُ: الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا شَأْنًا عَجِيبًا اسْتُؤْنِفَ عَقِبَهُ بِالْجُمْلَةِ ذَاتِ الِاسْتِفْهَامَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute