بِهِ بِمَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ وَهُوَ أَنَّ أَحَدًا يُجْهِدُهُ، أَيْ يَسْتَخْرِجُ مِنْهُ طَاقَتَهُ فَإِنَّ كُلَّ إِعَادَةٍ لِلْيَمِينِ هِيَ كَتَكْلِيفٍ لِلْيَمِينِ بِعَمَلٍ مُتَكَرِّرٍ كَالْجُهْدِ لَهُ، فَهَذَا أَيْضًا اسْتِعَارَةٌ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٥٣] وَقَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٩] .
وَجُمْلَةُ: لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ
إِلَخْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: أَقْسَمُوا
. وَحُذِفَ مَفْعُولُ أَمَرْتَهُمْ
لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: لَيَخْرُجُنَ
. وَالتَّقْدِيرُ: لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ بِالْخُرُوجِ لَيَخْرُجُنَّ.
فَأَمْرَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ذَاتِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ وَهِيَ لَا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
. وَذَلِكَ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ لِأَنَّ نَهْيَهُمْ عَنْ أَنْ يُقْسِمُوا بَعْدَ أَنْ صَدَرَ الْقَسَمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ إِعَادَتِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِصَدَدِ إِعَادَتِهِ، بِمَعْنَى: لَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى تَأْكِيدِ الْقَسَمِ، أَيْ فَإِنَّ التَّأْكِيدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَكَّدِ فِي كَوْنِهِ كَذِبًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَسَمِ، أَيْ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ
تُقْسِمُوا إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَى الْقَسَمِ لِعَدَمِ الشَّكِّ فِي أَمْرِكُمْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُسْتَعْمِلًا فِي التَّسْوِيَة مثل فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطّور: ١٦] .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَالْمُقْسِمُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَا تُقْسِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُكُمْ بِذَلِكَ. وَمَقَامُ مُوَاجهَة نفاقهم يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ مَقْصُودَةً.
وَقَوْلُهُ: طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
كَلَامٌ أُرْسِلَ مَثَلًا وَتَحْتَهُ مَعَانٍ جَمَّةٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: لَا تُقْسِمُوا.
وَتَنْكِيرُ طاعَةٌ
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَوْعُ الطَّاعَةِ وَلَيْسَتْ طَاعَةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ مِنْ بَابِ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، ومَعْرُوفَةٌ
خَبَرُهُ.