للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، إِبْطَالًا لِقَوْلِهِمْ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالَحٍ فِي السَّمَاءِ وَفِي الْأَرْضِ»

. وَأَمَّا السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ التَّحِيَّةُ كَمَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً وَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالتَّحِيَّةُ: أَصْلُهَا مَصْدَرُ حَيَّاهُ تَحِيَّةً ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْيَاءَانِ تَخْفِيفًا وَهِيَ قَوْلُ: حَيَّاكَ اللَّهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٨٦] .

فَالتَّحِيَّةُ مَصْدَرُ فِعْلٍ مُشْتَقٍّ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى فِعْلِ (حَيَّا) مِثْلُ قَوْلِهِمْ: جَزَاهُ.

إِذَا قَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي فِعْلِ وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النُّور: ٢٧] آنِفًا.

وَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ تَحِيَّةَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تَحِيَّةَ الْعَامَّةِ قَالَ النَّابِغَةُ:

حَيَّاكَ رَبِّي فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لَنَا ... لَهْوُ النِّسَاءِ وَإِنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا

وَكَانَتْ تَحِيَّةُ الْمُلُوكِ «عِمْ صَبَاحًا» فَجَعَلَ الْإِسْلَامُ التَّحِيَّةَ كَلِمَةَ «السَّلَامُ عَلَيْكُم» ، وَهِي جائية من الحنيفية قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [هود: ٦٩] وسماها تَحِيَّة الْإِسْلَام، وَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّحِيَّةِ تَأْنِيسُ الدَّاخِلِ بِتَأْمِينِهِ إِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ وَبِاللُّطْفِ لَهُ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا.

وَلَفْظُ «السَّلَامِ» يَجْمَعُ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلَامَةِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَتَأْمِينٌ بِالسَّلَامِ لِأَنَّهُ إِذَا دَعَا لَهُ بالسلامة فَهُوَ مسالم لَهُ فَكَانَ الْخَبَرُ كِنَايَةً عَنِ التَّأْمِينِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْأَمْرَانِ حَصَلَ خَيْرٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ السَّلَامَةَ لَا تُجَامِعُ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ فِي ذَاتِ السَّالِمِ، وَالْأَمَانُ لَا يُجَامِعُ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَدِي فَكَانَتْ دُعَاءً تُرْجَى إِجَابَتُهُ وَعَهْدًا بِالْأَمْنِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَفِي كَلِمَةِ عَلَيْكُمْ مَعْنَى التَّمَكُّنِ، أَيِ السَّلَامَةُ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَيْكُمْ.

وَلِكَوْنِ كَلِمَةِ (السَّلَامِ) جَامِعَةً لِهَذَا الْمَعْنَى امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهَا بِأَنْ جَعَلَهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِذْ هُوَ الَّذِي عَلَّمَهَا رَسُولَهُ بِالْوَحْيِ.