للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَجْهُ الشَّبَهِ الْمَنْفِيُّ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ هُوَ الْخِيَارُ فِي الْإِجَابَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الثَّبَاتُ فِي مَجَامِعِ الرَّسُولِ إِذَا حَضَرُوهَا، وَأَنَّهُمْ فِي حُضُورِهَا إِذَا دُعُوا إِلَيْهَا بِالْخِيَارِ، فَالدُّعَاءُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَصْدَرُ دَعَاهُ إِذَا نَادَاهُ أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لَيَحْضُرَ.

وَإِضَافَةُ دُعاءَ إِلَى الرَّسُولِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِضَافَةُ دُعاءَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ الْمُقَدَّرُ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِينَ.

وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَكُمُ الرَّسُولَ، فَالْمَعْنَى نَهْيُهُمْ.

وَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ حَثًّا عَلَى تَلَقِّي الْجُمْلَةِ بِنَشَاطٍ فَهْمٍ، فَالْخِطَابُ للْمُؤْمِنين الَّذين تَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور: ٦٢] وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ [النُّور: ٦٢] إِلَخْ. نُهُوا عَنْ أَنْ يَدْعُوَا الرَّسُولَ عِنْدَ

مُنَادَاتِهِ كَمَا يَدْعُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْهَيْئَةِ. فَأَمَّا فِي اللَّفْظِ فَبِأَنْ لَا يَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَوْ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ يَا نَبِيءَ الله، أَو بكنيته يَا أَبَا الْقَاسِمِ. وَأَمَّا فِي الْهَيْئَةِ فَبِأَنْ لَا يَدْعُوهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ، وَأَنْ لَا يُلِحُّوا فِي دُعَائِهِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ. لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْجَلَافَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِعَظَمَةِ قدر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذَا أَدَبٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَسَدٌّ لِأَبْوَابِ الْأَذَى عَنِ الْمُنَافِقين. وَإِذ كَانَتِ الْآيَةُ تَحْتَمِلُ أَلْفَاظُهَا هَذَا الْمَعْنَى صَحَّ لِلْمُتَدَبِّرِ أَنْ يَنْتَزِعَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا إِذْ يَكْفِي أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَاحَ لَهُ مَعْنَى مَا لَاحَ لَهُ.

وبَيْنَكُمْ ظَرْفٌ إِمَّا لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِ تَجْعَلُوا، أَوْ مُسْتَقِرٌّ صِفَةٌ لِ دُعاءَ، أَي دعاءه فِي كَلَامِكُمْ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ التَّعْرِيضُ بالمنافقين الَّذين تمالؤوا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا دَعَاهُمْ كُلَّمَا وَجَدُوا لِذَلِكَ سَبِيلًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التَّوْبَة: ١٢٠] .

فَالْمَعْنَى. لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَمَا جَعَلَ المُنَافِقُونَ بَينهم وتواطأوا عَلَى ذَلِكَ.