للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور:

٦٢] وَمَا تَبِعَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً.

وَجُمْلَةُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً اسْتِئْنَافُ تَهْدِيدٍ لِلَّذِينِ كَانُوا سَبَبَ نُزُولِ آيَةِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور: ٦٢] الْآيَةَ، أَيْ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ وَضِدُّهُمُ الْمُعَرَّضُ بِهِمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ عَلِمَهُمُ اللَّهُ وَاطَّلَعَ عَلَى تَسَلُّلِهِمْ.

(وَقد) لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا تَسَلَّلُوا مُتَسَتِّرِينَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمُ النَّبِيءُ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ عَلِمَهُمْ، أَيْ أَنَّهُ أَعْلَمَ رَسُولَهُ بِذَلِكَ.

وَدُخُولُ (قَدْ) عَلَى الْمُضَارِعِ يَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ كَثِيرًا لِأَنَّ (قَدْ) فِيهِ بِمَنْزِلَةِ (رُبَّ) تُسْتَعْمَلُ فِي التَّكْثِيرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الْأَحْزَاب: ١٨] وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:

أَخُو ثِقَةٍ لَا تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ ... وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهْ

والَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَالتَّسَلُّلُ: الِانْسِلَالُ مِنْ صَبْرَةٍ، أَيِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِخُفْيَةٍ خُرُوجًا كَأَنَّهُ سَلُّ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: تَسَلَّلَ، أَيْ تَكَلَّفَ الِانْسِلَالَ مِثْلَ مَا يُقَالُ:

تَدَخَّلَ إِذَا تَكَلَّفَ إِدْخَالَ نَفْسِهِ.

وَاللِّوَاذُ: مَصْدَرُ لَاوَذَهُ، إِذَا لَاذَ بِهِ ولاذ بِهِ الْآخَرُ. شُبِّهَ تَسَتُّرُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ عَنِ اتِّفَاقٍ

وَتَآمُرٍ عِنْدَ الِانْصِرَافِ خُفْيَةً بِلَوْذِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِأَنَّ الَّذِي سَتَرَ الْخَارِجَ حَتَّى يَخْرُجَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَاذَ بِهِ أَيْضًا فَجَعَلَ حُصُولَ فِعْلِهِ مَعَ فِعْلِ اللَّائِذِ كَأَنَّهُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّوْذِ.

وَانْتَصَبَ لِواذاً عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ اسْمِ الْفَاعِلِ.

ومِنْكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ يَتَسَلَّلُونَ. وَضَمِيرُ مِنْكُمْ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ مُتَسَلِّلِينَ مُلَاوِذِينَ.

وَفُرِّعَ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً تَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ الْآيَةَ بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى تَسَلُّلِهِمْ.