وَمَعْنَى يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَيْ يَنْزِلُ إِلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كَانَ الْغِنَى فِتْنَةً لِقُلُوبِهِمْ.
وَالْإِلْقَاءُ: الرَّمْيُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِعْطَاءِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَتَخَيَّلُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ.
وَالْكَنْزُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ فِي سُورَةِ هُودٍ [١٢] .
وَجَعَلُوا إِعْطَاءَ جَنَّةٍ لَهُ عَلَامَةً عَلَى النُّبُوءَةِ لِأَنَّ وُجُودَ الْجَنَّةِ فِي مَكَّةَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَأْكُلُ مِنْها بِيَاءِ الْغَائِبِ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إِلَى هَذَا الرَّسُولِ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ نَأْكُلَ مِنْها بِنُونِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمَعْنَى: لِيَتَيَقَّنُوا أَنَّ ثَمَرَهَا حَقِيقَةٌ لَا سِحْرٌ.
ذَكَرَ أَصْحَابُ السِّيَرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَدَرَتْ مِنْ كُبَرَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي مَجْلِسٍ لَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ عَتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهِلِ بْنَ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي أُميَّة، والعاصي بْنَ وَائِلٍ، وَنُبَيْهَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَمُنَبِّهَ بْنَ الْحَجَّاجِ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرُوهَا تَدَاوَلهَا أَهَّلُ الْمَجْلِسِ إِذْ لَمْ يُعَيِّنْ أَهْلُ السِّيَرِ قَائِلَهَا.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَشَاعُوا ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَكُتِبَتْ لَام مَا لِهذَا مُنْفَصِلَةً عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي بَعْدَهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فَاتَّبَعَتْهُ الْمَصَاحِفُ لِأَنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ فِيهِ، كَمَا كتب مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٤٩] ، وكما كتب: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ فِي سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ [٣٦] ، وكما كتب: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧٨] . وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا الِانْفِصَالِ أَنَّهُ طَرِيقَةُ رَسْمٍ قَدِيمٍ كَانَتِ الْحُرُوفُ تُكْتَبُ مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَلَا سِيَّمَا حُرُوفُ الْمَعَانِي فَعَامَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute