للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا كَانَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مُعَامَلَةَ مَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَبَقِيَتْ عَلَى يَدِ أَحَدِ كُتَّابِ الْمُصْحَفِ أَثَارَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَصْلُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ كُلِّهَا الِانْفِصَالُ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْخُطُوطِ الْقَدِيمَةِ لِلْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ وَصْلُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ تَحْسِينًا لِلرَّسْمِ وَتَسْهِيلًا لِتَبَادُرِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَوَصْلُهُ اصْطِلَاحٌ.

وَأَكْثَرُ مَا وصلوا مِنْهُ هُوَ الْكَلِمَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ حُرُوفِ الْقَسَمِ أَوْ كَالْوَاحِدِ مِثْلُ (أَلْ) . وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا

فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا

الظَّالِمُونَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَغَيَّرَ عُنْوَانَهُمُ الْأَوَّلَ إِلَى عُنْوَانِ الظُّلْمِ وَهُمْ هُمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ اعْتِدَاءً عَلَى الرَّسُولِ بِنَبْزِهِ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَظُلْمُهُمْ لَهُ أَشَدُّ ظُلْمٍ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ قَائِلَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى، أَيْ هُوَ مُبْتَكِرُ هَذَا الْبُهْتَانِ وَإِنَّمَا أُسْنِدَ الْقَوْلُ إِلَى جَمِيعِ الظَّالِمِينَ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّفُوهُ وَلَهَجُوا بِهِ.

وَالْمَسْحُورُ: الَّذِي أَصَابَهُ السِّحْرُ، وَهُوَ يُورِثُ اخْتِلَالَ الْعَقْلِ عِنْدَهُمْ، أَيْ مَا تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا أَصَابَهُ خَلَلُ الْعَقْلِ فَهُوَ يَقُولُ مَا لَا يَقُولُ مِثْلَهُ الْعُقَلَاءُ.

وَذَكَرَ رَجُلًا هُنَا لِتَمْهِيدِ اسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ رَسُولًا لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ. وَهَذَا الْخِطَابُ خَاطَبُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمَعْنَى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا أَنَّهُمْ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ الْبَاطِلَةَ بِأَنْ مَثَّلُوكَ بِرَجُلٍ مَسْحُورٍ.