للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفِعْلِيِّ أَنَّهُ يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالْخَبَرِ، أَيْ قَصْرُ مَضْمُونِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ، أَيْ فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٥] .

وَالرُّؤْيَةُ فِي أَلَمْ تَرَ قَلْبِيَّةٌ لِأَنَّ الْهُيَامَ وَالْوَادِي مُسْتَعَارَانِ لِمَعَانِي اضْطِرَابِ الْقَوْلِ فِي أَغْرَاضِ الشِّعْرِ وَذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ لَا مِمَّا يُرَى.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَأُجْرِيَ التَّقْرِيرُ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لِإِظْهَارِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا مَحِيدَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً [الشُّعَرَاء: ١٨] ، وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.

وَضَمَائِرُ أَنَّهُمْ- ويَهِيمُونَ- ويَقُولُونَ- ويَفْعَلُونَ عَائِدَةٌ إِلَى الشُّعَرَاءِ.

فَجُمْلَةُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مُؤَكِّدَةٌ لِمَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ: يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ مِنْ ذَمِّ الشُّعَرَاءِ بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ.

وَمُثِّلَتْ حَالُ الشُّعَرَاءِ بِحَالِ الْهَائِمِينَ فِي أَوْدِيَةٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ يَقُولُونَ فِي فُنُونٍ مِنَ الشِّعْرِ مِنْ هِجَاءٍ وَاعْتِدَاءٍ عَلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَمِنْ نَسِيبٍ وَتَشْبِيبٍ بِالنِّسَاءِ، وَمَدْحِ مَنْ يَمْدَحُونَهُ رَغْبَةً فِي عَطَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ، وَذَمِّ مَنْ يَمْنَعُهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَرُبَّمَا ذَمُّوا مَنْ كَانُوا يَمْدَحُونَهُ وَمَدَحُوا مَنْ سَبَقَ لَهُمْ ذَمَّهُ.

وَالْهُيَامُ: هُوَ الْحَيْرَةُ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْمَرْعَى. وَالْوَادِ: الْمُنْخَفِضُ بَيْنَ عُدْوَتَيْنِ. وَإِنَّمَا تَرْعَى الْإِبِلُ الْأَوْدِيَةَ إِذَا أَقْحَلَتِ الرُّبَى، وَالرُّبَى أَجْوَدُ كَلَأً، فَمُثِّلَ حَالُ الشُّعَرَاءِ بِحَالِ الْإِبِلِ الرَّاعِيَةِ فِي الْأَوْدِيَةِ مُتَحَيِّرَةً، لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ فِي حِرْصٍ عَلَى الْقَوْلِ لِاخْتِلَابِ النُّفُوسِ.

وكُلِّ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَثْرَةِ. رُوِيَ أَنَّهُ انْدَسَّ بَعْضُ الْمَزَّاحِينَ فِي زُمْرَةِ الشُّعَرَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَعَرَفَ الْحَاجِبُ الشُّعَرَاءَ، وَأَنْكَرَ هَذَا الَّذِي انْدَسَّ فِيهِمْ، فَقَالَ لَهُ: هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ وَأَنْتَ مِنَ الشُّعَرَاءِ؟ قَالَ: بَلْ أَنَا مِنَ الْغَاوِينَ، فَاسْتَطْرَفَهَا.

وَشَفَّعَ مَذَمَّتَهُمْ هَذِهِ بِمَذَمَّةِ الْكَذِبِ فَقَالَ: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَالْعَرَبُ يَتَمَادَحُونَ بِالصِّدْقِ وَيُعَيِّرُونَ بِالْكَذِبِ، وَالشَّاعِرُ يَقُولُ مَا لَا يَعْتَقِدُ وَمَا يُخَالِفُ الْوَاقِعَ حَتَّى قِيلَ: أَحْسَنُ الشَّعْرِ أَكْذَبُهُ، وَالْكَذِبُ مَذْمُومٌ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ فَإِنْ