عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِي شَأْنِ صَدَقَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عُمَرُ: «أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسَهُ»
وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ، فَإِذَا أَخَذْنَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ كَانَ هَذَا حُكْمًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَيُنْسَخُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِذَا أَخَذْنَا بِالتَّأْوِيلِ فَظَاهِرٌ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، خِلَافًا لِلْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ، ثُمَّ رَجَعَا حِينَ حَاجَّهُمَا عُمَرُ. وَالْعِلَّةُ هِيَ سَدُّ ذَرِيعَةِ خُطُورِ تَمَنِّي مَوْتِ النَّبِيءِ فِي نَفْسِ بَعْضِ وَرَثَتِهِ.
وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي مَجْمَعٍ عَظِيمٍ لِأَنَّ لَهْجَةَ هَذَا الْكَلَامِ لَهْجَةُ خُطْبَتِهِ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالسَّامِعِينَ مِنَ الْعَامَّةِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَضَمِّنَةٌ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مَا مَنَحَهُ مِنْ عِلْمٍ وَمُلْكٍ، وَلِيُقَدِّرَ النَّاسُ قَدْرَهُ وَيَعْلَمُوا وَاجِبَ طَاعَتِهِ إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدِ اصْطَفَاهُ لِذَلِكَ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى نَوَايَا أَنْفَرِ الْحَيَوَانِ وَأَبْعَدِهِ عَنْ إِلْفِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ الطَّيْرُ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَعْرِفَةِ نَوَايَا النَّاسِ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ فَإِنَّ تَخْطِيطَ رُسُومِ الْمُلْكِ وَوَاجِبَاتِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ لِصَلَاحِ الْمَمْلَكَةِ بِالْتِفَافِ النَّاسِ حَوْلَ مَلِكِهِمْ وَصَفَاءِ النِّيَّاتِ نَحْوِهِ، وَبِمِقْدَارِ مَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِهِمْ يَكُونُ التَّعَاوُنُ عَلَى الْخَيْرِ وَتَنْزِلُ السِّكِّينَةُ الرَّبَّانِيَّةُ، فَلَمَّا حَصَلَ مِنْ جَانِبِ سُلَيْمَانَ الِاعْتِرَافَ بِهَذَا الْفَضْلِ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَدَّى وَاجِبَهُ نَحْوَ أُمَّتِهِ فَلَمْ يَبْقَ
إِلَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْأُمَّةُ وَاجِبَهَا نَحْوَ مَلِكِهَا، كَمَا كَانَ تَعْلِيمُ فَضَائِلِ النُّبُوَّةِ من مَقَاصِد الشَّارِع، فَقَدْ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» أَيْ أَقُولُهُ لِقَصْدِ الْإِعْلَامِ بِوَاجِبِ التَّقَادِيرِ لَا لِقَصْدِ الْفَخْرِ عَلَى النَّاسِ، وَيَعْلَمُوا وَاجِبَ طَاعَتِهِ.
وَعِلْمُ مَنْطِقِ الطَّيْرِ أُوتِيَهُ سُلَيْمَانُ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ بِأَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي تَقَاطِيعِ وَتَخَالِيفِ صَفِيرِ الطُّيُورِ أَوْ نَعِيقِهَا مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى مَا فِي إِدْرَاكِهَا وَإِرَادَتِهَا. وَفَائِدَةُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَبِيلًا لَهُ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ عَالَمِيَّةٍ يَسْبِقُ الطَّيْرُ إِلَى إِدْرَاكِهَا بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنَ الْقُوَى الْكَثِيرَةِ، وَلِلطَّيْرِ دَلَالَةٌ فِي تَخَاطُبِ أَجْنَاسِهَا وَاسْتِدْعَاءِ أَصْنَافِهَا وَالْإِنْبَاءِ بِمَا حَوْلَهَا مَا فِيهِ عَوْنٌ عَلَى تَدْبِيرِ مُلْكِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute