تَقْدِيرُهُ:
إِدْرَاكُهُمْ، أَيْ حَصَلَ لَهُمْ عِلْمُهُمْ بِوَقْتِ بَعْثِهِمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُبْعَثُونَ فِيهِ، أَيْ يَوْمَئِذٍ يُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ، فَيَكُونُ فِعْلُ الْمُضِيِّ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى التَّحَقُّقِ، وَيَكُونُ حَرْفُ (فِي) عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الظَّرْفِيَّةِ..
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ بَلْ أَدْرَكَ بِهَمْزِ قَطْعٍ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَمَعْنَاهُ انْتَهَى عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. يُقَالُ: أَدْرَكَ، إِذَا فَنِيَ. وَفِي ثُبُوتِ مَعْنَى فَنِيَ لِفِعْلِ أَدْرَكَ خِلَافٌ بَيْنِ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ، فَقَدْ أَثْبَتَهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ فِي رِوَايَةِ شَمِرٍ عَنْهُ قَالَ شَمِرٌ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ لِغَيْرِهِ، وَأَثْبَتَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَصَاحِبُ «الْقَامُوسِ» . وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ:
هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَ: أَدْرَكَ الشَّيْءُ إِذَا فَنِيَ.
وَأَقُولُ قَدْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ: أَدْرَكَتِ الثِّمَارُ، إِذَا انْتَهَى نُضْجُهَا، وَنَسَبَهُ فِي «تَاجِ الْعَرُوسِ» لِلَّيْثِ وَلِابْنِ جِنِّي وَحَسْبُكَ بِإِثْبَاتِ هَؤُلَاءِ الْأَثْبَاتِ. قَالَ الْكَوَاشِيُّ فِي «تَبْصِرَةِ الْمُتَذَكِّرِ» : الْمَعْنَى فَنِيَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَدْرَكَتِ الْفَاكِهَةُ، إِذَا بَلَغَتِ النُّضْجَ وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِفَنَائِهَا وَزَوَالِهَا.
فَحَاصِلُ الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ وَقَدْ تَلَقَّى بَعْضُهُمْ
عَنْ بَعْضٍ مَا يَعْلَمُونَ فِي شَأْنِ الْآخِرَةِ وَهُوَ مَا اشْتُهِرَ عَنْهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، أَوْ قَدِ اضْطَرَبَ مَا يَعْلَمُونَهُ فِي شَأْنِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فِي يَوْمِ الدَّارِ الْآخِرَةِ.
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَأَبِي جَعْفَرٍ: مَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ فَإِنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، أَيْ جَهِلُوا الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ.
أَمَّا عَدَدُ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا.
وَأَمَّا جُمْلَةٌ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها فَهُوَ إِضْرَابُ انْتِقَالٍ لِلِارْتِقَاءِ مِنْ كَوْنِهِمُ اضْطَرَبَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ تَقَلَّدَ خَلَفُهُمْ مَا لَقَّنَهُ سَلَفُهُمْ، أَوْ مِنْ أَنهم انْتَفَى عَمَلهم فِي الْآخِرَةِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاضْطِرَابَ فِي الْعِلْمِ قَدْ أَثَارَ فِيهِمْ شَكًّا مِنْ وُقُوعِ الْآخِرَةِ. وَ (مِنْ) لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ فِي شكّ ناشىء عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْخَبَرِ وَدَوَامِهِ، وَالظَّرْفِيَّةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى إِحَاطَةِ الشَّكِّ بِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute