هَذَا أَحْسَنُ تَفْسِيرٍ لِلْآيَةِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَأْثُورٌ عَنِ الْحَسَنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لِقائِهِ عَائِدًا إِلَى مُوسَى عَلَى مَعْنَى: مِنْ مِثْلِ مَا لَقِيَ مُوسَى مِنْ إِرْسَالِهِ وَهُوَ أَنْ كَانَتْ عَاقِبَةُ النَّصْرِ لَهُ عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَحُصُولُ الِاهْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ، وَتَأْيِيدُهُ بِاهْتِدَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى بِشَارَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُظْهِرُ هَذَا الدِّينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ لِقائِهِ عَائِدًا إِلَى الْكِتَابِ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» لَكِنْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ الْكِتَابِ، أَيْ مِنْ أَنْ تَلْقَى مِنْ إِيتَائِكَ الْكِتَابَ مَا هُوَ شِنْشِنَةُ تَلَّقِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا تَلَقَّاهَا مُوسَى. فَالنَّهْيُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْذِيرِ مِمَّنْ ظَنَّ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ فِي إِيتَاءِ الْكِتَابِ مِنَ الْمَشَقَّةِ مَا لَقِيَهُ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ، أَيْ مِنْ جَانِبِ أَذَى قَوْمِهِ وَإِعْرَاضِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ فَلا تَكُنْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلَّذِينَ امْتَرَوْا فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سَوَاءً كَانُوا الْمُشْرِكِينَ أَوِ الَّذِينَ يُلَقِّنُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ لَا تَمْتَرُوا فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى بَشَرٍ فَقَدْ أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى مُوسَى فَلَا تَكُونُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ [الْأَنْعَام: ٩١] . فَالنَّهْيُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْكَفِّ عَنِ الْمِرْيَةِ فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ احْتِمَالَاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ لَا تُسْفِرُ عَنْ مَعْنًى بَيِّنٍ، وَمِنْ أَبْعَدِهَا حَمْلُ اللِّقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَوْدُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لِمُوسَى وَأَنَّ الْمُرَادَ لِقَاؤُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَعَدَهُ اللَّهُ بِهِ وَحَقَّقَهُ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ وُقُوعِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ الْمُبَرِّدُ حِينَ امْتَحَنَ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (١) .
وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي وَجَعَلْناهُ هُدىً يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ عَلَى مُوسَى وَكِلَاهُمَا سَبَبُ هُدًى، فَوُصِفَ بِأَنَّهُ هُدًى لِلْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ
(١) لَعَلَّه امتحنه بذلك حِين جَاءَهُ ليلازمه للأخذ عَنهُ وَلم أعثر على تَفْصِيل ذَلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute