للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَدْعُوهُ بِهِ، فَإِنَّ عِلْمَ أَسْمَائِهِ مِنَ الْإِيمَانِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِي خَمْسَةُ

أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ»

تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ. وَقَدْ أَنْهَى أَبُو بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ أَسْمَاءَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ وَأَنْهَاهَا السُّيُوطِيُّ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ قَالَ: أَسْمَاءُ النَّبِيءِ أَلْفَا اسْمٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الْأَحْزَاب: ٤٥] .

وَالْأَمْرُ لِلنَّبِيءِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَوْطِئَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِيَحْصُلَ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ قَصْرُ تَقْوَاهُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى لَا تُطِعِ مُرَادِفُ مَعْنَى: لَا تَتَّقِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ تَقْوَى فَصَارَ مَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ مُفِيدًا مَعْنَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ لَا تَتَّقِ إِلَّا اللَّهَ، فَعَدَلَ عَنْ صِيغَةِ الْقَصْرِ وَهِيَ أَشْهَرُ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَأَوْجَزُ إِلَى ذِكْرِ جُمْلَتَيْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِقَصْدِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ أُرِيدَ بِهِ أَنْ لَا يُطِيعَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يُقَالَ: لَا تَتَّقِ إِلَّا اللَّهَ لَمَا أَصَاخَتْ إِلَيْهِ الْأَسْمَاعُ إِصَاخَةً خَاصَّةً لِأَنَّ تَقْوَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ، فَسَلَكَ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ لِهَذَا، كَقَوْلِ السَّمَوْأَلِ:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ

فَجَاءَ بِجُمْلَتَيْ إِثْبَات السيلان يُقيد وَنَفْيِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَ سَيَلَانَ دِمَائِهِمْ عَلَى السُّيُوفِ وَلَكِنَّهُمْ لَا تَسِيلُ دِمَاؤُهُمْ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ.

فَإِنَّ أَصْلَ صِيغَةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنْ جُمْلَتَيْ إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ، وَلِكَوْنِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَتَكْمِلَةٍ لِلَّتِي قَبْلَهَا عُطِفَتْ عَلَيْهَا لِاتِّحَادِ الْغَرَضِ مِنْهُمَا. وَقَدْ تَعَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ اتَّقِ اللَّهَ وَالنَّهْيَ فِي قَوْلِهِ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ مُسْتَعْمَلَانِ فِي طَلَبِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا هُوَ مُلَازِمٌ لَهُ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ، فَأَشْعَرَ ذَلِكَ أَنَّ تَشْرِيعًا عَظِيمًا سَيُلْقَى إِلَيْهِ لَا يَخْلُو مَنْ حَرَجٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَعَلَى بَعْضِ أُمَّتِهِ، وَأَنَّهُ سَيَلْقَى مَطَاعِنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ.

وَفَائِدَةُ هَذَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ التَّشْهِيرُ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ أَقْوَالَهُمْ لِيَيْأَسُوا