للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَنْسَوْهَا لِأَنَّ فِي ذِكْرِهَا تَجْدِيدًا لِلِاعْتِزَازِ بِدِينِهِمْ وَالثِّقَةِ برَبهمْ والتصديق لنبيئهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاخْتِيرَتْ لِلتَّذْكِيرِ بِهَذَا الْيَوْمِ مُنَاسَبَةُ الْأَمْرِ بِعَدَمِ طَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ مِنَ

النِّعَمِ الَّتِي حَفَّتْ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ أَنَّ اللَّهَ رَدَّ كَيْدَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُونَ بِسَابِقِ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ فِي تِلْكَ الْأَزْمَةِ لِيَحْذَرُوا مَكَائِدَهُمْ وَأَرَاجِيفَهُمْ فِي قَضِيَّةِ التَّبَنِّي وَتَزَوُّجِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطَلَّقَةَ مُتَبَنَّاهُ، وَلِذَلِكَ خُصَّ الْمُنَافِقُونَ بِقَوْلِهِ: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الْأَحْزَاب: ١٢] الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ إِبْطَالِ التَّبَنِّي وَإِبَاحَةِ تَزَوُّجِ مُطَلَقِ الْأَدْعِيَاءِ كَانَ بِقُرْبِ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ.

وإِذْ ظَرْفٌ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي مُتَعَلِّقٌ بِ نِعْمَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِنْعَامِ، أَيِ:

اذْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ زَمَانَ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا تُشِيرُ إِلَى مَا جَرَى مِنْ عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ فَلْنَأْتِ عَلَى خُلَاصَةِ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ لِيَكُونَ مِنْهُ بَيَانٌ لِمَطَاوِي هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَكَانَ سَبَبَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ تَهَادَنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِمُدَّةِ عَامٍ عَلَى أَنْ يَلْتَقُوا بِبَدْرٍ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فَلَمْ يَقَعْ قِتَالٌ بِبَدْرٍ لِتَخَلُّفِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ الْمِيعَادِ، فَلَمْ يُنَاوِشْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْفَرِيقَ الْآخَرَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَادِثَةِ غَدْرِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَهِيَ حَادِثَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ حِينَ غَدَرَتْ قَبَائِلُ عُصَيَّةَ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِأَرْبَعِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ سَأَلَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَجِّهَهُمْ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ كَيْدًا كَادَهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنِ انْقِضَاءِ غَزْوَةِ أُحُدٍ.

فَلَمَّا أَجْلَى النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ غَدْرِهِمْ بِهِ وَخَيْسِهِمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي لَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، هُنَالِكَ اغْتَاظَ كَبَرَاءُ يَهُودِ قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْجَلَاءِ وَبَعْدَ أَنْ نَزَلُوا بِدِيَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبِخَيْبَرَ فَخَرَجَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ- بِتَشْدِيدِ لَامِ سَلَّامِ وَضَمِّ حَاءِ الْحُقَيْقِ وَفَتْحِ قَافِهِ- وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ- بِضَمِّ حَاءِ حُيَيٍّ وَفَتْحِ هَمْزَةِ وَطَاءِ أَخْطَبَ- وَغَيْرُهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فَقَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ لِذَلِكَ