وَتَآمَرُوا مَعَ غَطَفَانَ عَلَى أَنْ يَغْزُوا الْمَدِينَةَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَأَحَابِيشُهَا وَبَنُو كِنَانَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَقَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ فِي أَلْفٍ قَائِدُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ هَوَازِنُ وَقَائِدُهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزْمُهُمْ عَلَى مُنَازَلَةِ الْمَدِينَةِ أَبْلَغَتْهُ إِيَّاهُ خُزَاعَةُ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ كَثْرَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَشَارَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَنْ يُحْفَرَ خَنْدَقٌ يُحِيطُ بِالْمَدِينَةِ تَحْصِينًا لَهَا مِنْ دُخُولِ الْعَدُوِّ فَاحْتَفَرَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ يَحْفُرُ وَيَنْقُلُ التُّرَابَ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ خَمْسٍ. وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي «جَامِعِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ» اتِّبَاعًا لِمَا اشْتُهِرَ، وَقَوْلُ مَالك أصحّ.
وَعند مَا تَمَّ حَفْرُ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ جُنُودُ الْمُشْرِكِينَ وَتَسَمَّوْا بِالْأَحْزَابِ لِأَنَّهُمْ عِدَّةُ قَبَائِلَ تَحَزَّبُوا، أَيْ: صَارُوا حِزْبًا وَاحِدًا، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَكَانَ وُرُودُ قُرَيْشٍ مِنْ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَوُرُودُ غَطَفَانَ وَهَوَازِنَ مِنْ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، فَنَزَلَ جَيْشُ قُرَيْشٍ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ بَيْنَ الْجُرْفِ وَزُغَابَةَ- بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ- وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَالْغَابَةُ، وَالتَّحْقِيقُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي «الرَّوْضِ الْأُنُفِ» ، وَنَزَلَ جَيْشُ غَطَفَانَ وَهَوَازِنَ بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، وَكَانَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ فَعَسْكَرُوا تَحْتَ جَبَلِ سَلْعٍ وَجَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى الْجَبَلِ وَالْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ فِي آطَامِ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَدَامَ الْحَالُ كَذَلِكَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ فِيهَا حَرْبٌ إِلَّا مُصَارَعَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ فُرْسَانٍ اقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ مِنْ جِهَةٍ ضَيِّقَةٍ عَلَى أَفَرَاسِهِمْ فَتَقَاتَلُوا فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ وَقُتِلَ أَحَدُهُمْ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفَرَّ صَاحِبَاهُ، وَأَصَابَ سَهْمٌ غَرْبٌ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحُلِهِ فَكَانَ مِنْهُ مَوْتُهُ فِي الْمَدِينَةِ. وَلَحِقَتِ الْمُسْلِمِينَ شِدَّةٌ مِنَ الْحِصَارِ وَخَوْفٌ مِنْ كَثْرَةِ جَيْشِ عَدُوِّهِمْ حَتَّى هَمَّ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُصَالِحَ الْأَحْزَابَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ نِصْفَ ثَمَرِ الْمَدِينَةِ فِي عَامِهِمْ ذَلِكَ يَأْخُذُونَهُ عِنْدَ طِيبِهِ وَكَادَ أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُمْ كِتَابًا فِي ذَلِكَ، فَاسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute