للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَا أَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ.

والْجاهِلِيَّةِ: الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَتَأْنِيثُهَا لِتَأْوِيلِهَا بِالْمُدَّةِ.

وَالْجَاهِلِيَّةُ نِسْبَةٌ إِلَى الْجَاهِلِ لِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ عَاشُوا فِيهَا كَانُوا جَاهِلِينَ بِاللَّهِ وَبِالشَّرَائِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ فِي سُورَةِ آلِ عمرَان [١٥٤] .

ووصفها ب الْأُولى وَصْفٌ كَاشِفٌ لِأَنَّهَا أُولَى قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بَعْدَهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى [النَّجْم: ٥٠] ، وَكَقَوْلِهِمْ: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ جَاهِلِيَّتَانِ أُولَى وَثَانِيَةٌ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلُوهُ وَصْفًا مُقَيَّدًا وَجَعَلُوا الْجَاهِلِيَّةَ جَاهِلِيَّتَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأُولَى هِيَ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وستكون الْجَاهِلِيَّة أُخْرَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي حِينَ تَرْتَفِعُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى هِيَ الْقَدِيمَةُ مِنْ عَهْدِ مَا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ وَازِعٌ وَلَا لِلرِّجَالِ، وَوَضَعُوا حِكَايَاتٍ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً أَوْ مُبَالَغًا فِيهَا أَوْ فِي عُمُومِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ دَعَاهُمْ إِلَيْهِ حَمْلُ الْوَصْفِ عَلَى قَصْدِ التَّقْيِيدِ.

وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

أُرِيدَ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ الدَّوَامُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُنَّ مُتَلَبِّسَاتٌ بِمَضْمُونِهَا مِنْ قَبْلُ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الْمُقَرَّبِينَ وَالصَّالِحِينَ لَا تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ حق توجه التَّكْلِيف عَلَيْهِمْ. وَفِي هَذَا مَقْمَعٌ لِبَعْضِ الْمُتَصَوِّفِينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ إِذَا بَلَغُوا الْمَرَاتِبَ الْعُلْيَا مِنِ الْوِلَايَةِ سَقَطَتْ عَنْهُمُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ.

وَخَصَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ بِالْأَمْرِ ثُمَّ جَاءَ الْأَمْرُ عَامًا بِالطَّاعَةِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الطَّاعَتَيْنِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ هُمَا أَصْلُ سَائِرِ الطَّاعَاتِ فَمَنِ اعْتَنَى بِهِمَا حَقَّ الْعِنَايَةِ جَرَّتَاهُ إِلَى مَا وَرَاءَهُمَا، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ