للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ إِذْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ مَنْ أُمِرٍ وَنَهْيٍ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا نِسَاءَ النَّبِيءِ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ [الْأَحْزَاب: ٣٠] الْآيَةَ. فَإِنَّ مَوْقِعَ إِنَّما يُفِيدُ رَبْطَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ حَرْفَ (إِنَّ) جُزْءٌ مِنْ إِنَّما وَحَرْفُ (إِنَّ) مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغَنِيَ غِنَاءَ فَاءِ التَّسَبُّبِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّيْخُ عَبَدُ الْقَاهِرِ، فَالْمَعْنَى أَمَرَكُنَّ اللَّهُ بِمَا أَمَرَ وَنَهَاكُنَّ عَمَّا نَهَى لِأَنَّهُ أَرَادَ لَكُنَّ تَخْلِيَةً عَنِ النَّقَائِصِ وَالتَّحْلِيَةَ بِالْكَمَالَاتِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَقَعَ مُعْتَرَضًا بَيْنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْمُتَعَاطِفَةِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَيْتِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهُوَ بَيت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيوت النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَثِيرَةٌ فَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ هُنَا بَيْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ من أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ بَيْتٍ مِنْ تِلْكَ الْبيُوت أَهله النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُهُ صَاحِبَةُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ [الْأَحْزَاب: ٣٤] ، وَضَمِيرَا الْخِطَابِ مُوَجَّهَانِ إِلَى نسَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَنَنِ الضَّمَائِرِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. وَإِنَّمَا جِيءَ بِالضَّمِيرَيْنِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكِّرِ عَلَى طَرِيقَةِ التغليب لاعْتِبَار النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخِطَابِ لِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَهُوَ حَاضر هَذَا الْخِطَابِ إِذْ هُوَ مُبَلِّغُهُ. وَفِي هَذَا التَّغْلِيبِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّطْهِيرَ لَهُنَّ لأجل مقَام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكَونَ قَرِينَاتُهُ مُشَابِهَاتٍ لَهُ فِي الزَّكَاة وَالْكَمَالِ، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ [النُّور: ٢٦] يَعْنِي أَزوَاج النبيء للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي قصَّة إِبْرَاهِيم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هود: ٧٣] وَالْمُخَاطَبُ زَوْجُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَعَهَا.

والرِّجْسَ فِي الْأَصْلِ: الْقَذَرُ الَّذِي يُلَوِّثُ الْأَبْدَانَ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلذُّنُوبِ وَالنَّقَائِصِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ عِرْضَ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَرْذُولًا مَكْرُوهًا كَالْجِسْمِ الْمُلَوَّثِ بِالْقَذَرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٩٠] .

وَاسْتُعِيرَ التَّطْهِيرُ لِضِدِّ ذَلِكَ وَهُوَ تَجْنِيبُ الذُّنُوبِ وَالنَّقَائِصِ كَمَا يَكُونُ الْجِسْمُ أَوِ الثَّوْبُ طَاهِرًا.

وَاسْتُعِيرَ الْإِذْهَابُ لِلْإِنْجَاءِ وَالْإِبْعَادِ.