جَهْلٍ مَثَلًا لَا يُؤْمِنُ وَلَمْ يمنعهُ ذَلِك من أَنْ يُبَلِّغَهُ الرِّسَالَةَ وَيُعَاوِدَهُ الدَّعْوَةَ، وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِي حُصُولِ شَيْءٍ لَا تَقْتَضِي إِجْرَاءَ أَمْرِهِ عَلَى حَسَبِ رَغْبَتِهِ إِنْ كَانَتْ رَغْبَتُهُ تُخَالِفُ مَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَرْغَبُ أَنْ يقوم أحد بقتل عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ قَبْلَ أَن يسمع مِنْهُ إِعْلَانَهُ بِالتَّوْبَةِ مِنِ ارْتِدَادِهِ حِينَ جَاءَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ الْفَتْحِ تَائِبًا.
وَلِذَلِكَ كُلِّهِ لَا يُعَدُّ تَصْمِيمُ زَيْدٍ عَلَى طَلَاقِ زَيْنَب عصيانا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهِ. وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا الْمَصِيرُ إِلَى إِشَارَةِ الْمُشِيرِ كَمَا اقْتَضَاهُ
حَدِيثُ بَرِيرَةَ مَعَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ إِذْ قَالَ لَهَا: «لَوْ رَاجَعْتِهِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» .
وَقَوْلُهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْ زَيْدٍ بِأَنْ جَاءَ زَيْدٌ مُسْتَشِيرًا فِي فِرَاقِ زَوْجِهِ، أَوْ مُعْلِمًا بِعَزْمِهِ عَلَى فِرَاقِهَا.
وأَمْسِكْ عَلَيْكَ مَعْنَاهُ: لَازِمْ عِشْرَتَهَا، فَالْإِمْسَاكُ مُسْتَعَارٌ لِبَقَاءِ الصُّحْبَةِ تَشْبِيهًا لِلصَّاحِبِ بِالشَّيْءِ الْمُمْسَكِ بِالْيَدِ.
وَزِيَادَةُ عَلَيْكَ لِدِلَالَةِ (عَلَى) عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِثْلَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] أَوْ لِتَضَمُّنِ أَمْسِكْ مَعْنَى احْبِسْ، أَيِ ابْقِ فِي بَيْتِكَ زَوْجِكِ، وَأَمْرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَابِعٌ لِلْإِشَارَةِ بِإِمْسَاكِهَا، أَيِ اتَّقِ اللَّهَ فِي عِشْرَتِهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَلَا تَحِدْ عَنْ وَاجِبِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، أَيِ اتَّقِ اللَّهَ بِمُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] .
وَجُمْلَةُ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ تَقُولُ. وَالْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: وَتُخْفِي لِلدِّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ إِخْفَاءِ ذَلِكَ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ وَالَّذِي فِي نَفْسِهِ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُ زَيْنَبَ وَأَنَّ زَيْدًا يُطَلِّقُهَا وَذَلِكَ سِرٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ وَلَا مِمَّا للنَّاس فَائِدَة فِي عِلْمِهِ حَتَّى يُبَلِّغُوهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ عَائِشَةَ وَلَا أَبَاهَا بِرُؤْيَا إِتْيَانِ الْمَلَكِ بِهَا فِي سَرقَة من حَرِيرٍ إِلَّا بَعْدَ أَن تزَوجهَا.
فَمَا صدق «مَا فِي نَفْسِكَ» هُوَ التَّزَوُّجُ بِزَيْنَبَ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي سَيُبْدِيهِ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute