للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّ اللَّهَ أَبْدَى ذَلِك فِي تزوج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا وَلَمْ يُبِدِ اللَّهُ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخَفَاهُ فِي نَفسه أمرا يَصْلُحُ لِلْإِظْهَارِ فِي الْخَارِج، أَي أَن يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ.

وَلَيْسَتْ جُمْلَةُ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَقُولُ كَمَا جَعَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْعِتَابِ عَلَى أَنْ يَقُولَ كَلَامًا يُخَالِفُ مَا هُوَ مَخْفِيٌّ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ مَعْنًى، إِذْ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَكُونَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَى الِاسْتِشَارَةِ، وَيُفْضِي إِلَى الطَّعْنِ فِي صَلَاحِيَةِ زَيْنَبَ لِلْبَقَاءِ فِي عِصْمَةِ زَيْدٍ، وَقَدِ اسْتَشْعَرَ هَذَا صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فَقَالَ: «فَإِنْ قُلْتَ فَمَاذَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُ أَن يَقُوله حِينَ قَالَ لَهُ زَيْدٌ: أُرِيدُ مُفَارَقَتَهَا، وَكَانَ مِنَ الْهُجْنَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: افْعَلْ فَإِنِّي أُرِيدُ نِكَاحَهَا. قُلْتُ: كَانَ الَّذِي أَرَادَ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْمُتَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ يَقُولَ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ حَتَّى لَا يُخَالِفُ سِرَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَانِيَتَهُ» اهـ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَسَاسِ كَوْنِهِ عِتَابًا

وَفِيهِ وَهَنٌ.

وَجُمْلَةُ وَتَخْشَى النَّاسَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ، أَيْ تُخَفِي مَا سَيُبْدِيهِ اللَّهُ وَتَخْشَى النَّاسَ مِنْ إِبْدَائِهِ.

وَالْخَشْيَةُ هُنَا كَرَاهِيَةُ مَا يُرْجِفُ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ ضُرُوبِ الْخَشْيَةِ إِذِ الْخَشْيَةُ جِنْسٌ مَقُولٌ عَلَى أَفْرَادِهِ بِالتَّشْكِيكِ فَلَيْسَتْ هِيَ خَشْيَةُ خوف، إِذْ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَخَافُ أَحَدًا مِنْ ظُهُورِ تَزَوُّجِهِ بِزَيْنَبَ، وَلَمْ تَكُنْ قَدْ ظَهَرَتْ أَرَاجِيفُ الْمُنَافِقِينَ بعد، وَلَكِن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَسَّمُ مِنْ خُبْثِهِمْ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِمْ مَا يَبْعَثهُم على القالة فِي النَّاس لفتنة الْأمة، فَكَانَ يعلم مَا سيقولونه ويمتعض مِنْهُ، كَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ، وَلَمْ تَكُنْ خَشْيَةً تَبْلُغُ بِهِ مَبْلَغَ صَرْفِهِ عَمَّا يَرْغَبُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَزَوُّجِ زَيْنَبَ بَعْدَ طَلَاقِ زَيْدٍ، وَلَكِنَّهَا اسْتِشْعَارٌ فِي النَّفْسِ وَتَقْدِيرٌ لِمَا سَيُرْجِفُهُ الْمُنَافِقُونَ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّاسَ لِلْعَهْدِ، أَيْ تَخْشَى الْمُنَافِقِينَ، أَيْ يُؤْذُوكَ بِأَقْوَالِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ مُعْتَرَضَةٌ لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ ذِكْرِ خَشْيَةِ النَّاسِ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ