للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، وَعَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] ، فَهَذَا جَوْهَرُ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُشِيرُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَخْبَارٌ مَخْلُوطَةٌ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَسَرَّبَ إِلَى نَفْسِكَ مِنْهَا أُغْلُوطَةٌ، فَلَا تُصْغِ ذِهْنَكَ إِلَى مَا أَلْصَقَهُ أَهْلُ الْقِصَصِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَبْسِيطٍ فِي حَال النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُخْتَلَقَاتِ الْقَصَّاصِينَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا من الْقصاص لِتَزْيِينِ الْقِصَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ أَرَاجِيفِ الْمُنَافِقِينَ وَبُهْتَانِهِمْ فَتَلَقَّفَهُ الْقَصَّاصُ وَهُوَ الَّذِي نَجْزِمُ بِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ فِيمَا يُؤْثَرُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَثَرًا مُسْندًا إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِلَى زَيْدٍ أَوْ إِلَى زَيْنَبَ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة رِجَالهمْ وَنِسَائِهِمْ، وَلكنهَا كلهَا قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ وَقِيلَ وَقَالَ.

وَلِسُوءِ فَهْمِ الْآيَةِ كَبُرَ أَمْرُهَا عَلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَفَزَّتْ كَثِيرًا مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَدْ تَصَدَّى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» لِوَهْنِ أَسَانِيدِهَا وَكَذَلِكَ عِيَاضٌ فِي «الشِّفَاءِ» .

وَالْآنَ نُرِيدُ أَنْ نَنْقُلَ مَجْرَى الْكَلَامِ إِلَى التَّسْلِيمِ بِوُقُوعِ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ السَّنَدِ لِكَيْ لَا نَتْرُكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُهْوَاةً لِأَحَدٍ. وَمَجْمُوعُ الْقِصَّةِ مِنْ ذَلِك: أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بَيْتَ زَيْدٍ يَسْأَلُ عَنْهُ فَرَأى زَيْنَب متفضلة، وَقِيلَ رَفَعَتِ الرِّيحُ سِتَارَ الْبَيْت فَرَأى النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَيْنَبَ فَجْأَةً عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ فَأَعْجَبَهُ حَسْنُهَا وَسَبَّحَ لِلَّهِ، وَأَنَّ زَيْنَبَ

عَلِمَتْ أَنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعَ الِاسْتِحْسَانِ وَأَنَّ زَيْدًا عَلِمَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِيُؤْثِرَ بهَا مَوْلَاهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لما أخبر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ (وَهُوَ يَوَدُّ طَلَاقَهَا فِي قَلْبِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهَا صَائِرَةٌ زَوْجًا لَهُ) .

وَعَلَى تَفَاوُتِ أَسَانِيدِهِ فِي الْوَهْنِ أُلْقِيَ إِلَى النَّاسِ فِي الْقِصَّةِ فَانْتُقِلَ غَثُّهُ وَسَمِينُهُ، وَتُحُمِّلَ خِفُّهُ وَرَزِينُهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ كُلٌّ مَا وَسِعَهُ فَهْمُهُ وَدِينُهُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ وَاقِعًا لَمَا كَانَ فِيهِ مَغْمَزٌ فِي مقَام النبوءة.