للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَاقَهُ مَسَاقَ التَّعَجُّبِ الْمَشُوبِ بِغَضَبٍ.

وَعَلَى الثَّانِي فَانْتِصَابُ سُنَّةَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالْفِعْلُ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ أَوْ نَائِبُهُ. فَالتَّقْدِيرُ: سَنَّ اللَّهُ سُنَّتَهُ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعٌ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ اتِّبَاعًا لِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ كَمَا فَرَضَ لَهُمْ، أَيْ أَبَاحَ.

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ خَلَوْا: الْأَنْبِيَاءُ بِقَرِينَةِ سِيَاق لفظ النبيء، أَيِ الَّذِينَ خَلَوْا من قبل النبوءة، وَقَدْ زَادَهُ بَيَانًا قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ، فَالْأَنْبِيَاءُ كَانُوا مُتَزَوِّجِينَ وَكَانَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ عِدَّةُ أَزْوَاجٍ، وَكَانَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِمْ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِهِنَّ.

فَإِنْ وَقْفَنَا عِنْدَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَيَّنَتْهُ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ فَالْعِبْرَةُ بِأَحْوَالِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَإِنْ تَلَقَّيْنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْإِغْضَاءِ بَعْضَ الْآثَارِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي أُلْصِقَتْ بِقِصَّةِ تَزَوُّجِ زَيْنَبَ كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِبْرَةً بِالْخُصُوصِ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَاتٌ وَكَانَ قَدْ أَحَبَّ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ (أُورْيَا) وَهِيَ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ لَهَا مَثَلًا بِالْخَصْمِ الَّذِينَ تُسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ وَتَشَاكَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ. وَسَتَأْتِي فِي سُورَةِ ص، وَقَدْ ذُكِرَتِ الْقِصَّةُ فِي «سِفْرِ الْمُلُوكِ» . وَمَحَلُّ

التَّمْثِيلِ بِدَاوْدَ فِي أَصْلِ انْصِرَافِ رَغْبَتِهِ إِلَى امْرَأَةٍ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا لَهُ فَصَارَتْ حَلَالًا لَهُ، وَلَيْسَ مَحِلُّ التَّمْثِيلِ فِيمَا حَفَّ بِقِصَّةِ دَاوُدَ مِنْ لَوْمِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ [ص: ٢٤] الْآيَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي قِصَّةِ تَزَوُّجِ زَيْنَبَ.

وَجُمْلَةُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً مُعْتَرضَة بَين الْمَوْصُول وَالصِّفَةِ إِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ صِفَةً لِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، أَوْ تَذْيِيلٌ مِثْلَ جُمْلَةِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الْأَحْزَاب: ٣٧] إِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ مُسْتَأْنَفَةً كَمَا سَيَأْتِي، وَالْقَوْلُ فِيهِ مِثْلُ نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا.