آثَارِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَمْ لَمْ يَدْخُلْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَدَخُلْ بِهَا زَوْجُهَا لِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَالنِّكَاحُ: هُوَ الْعَقْدُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِتَكُونَ زَوْجًا بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهَا. وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ حَقِيقَةً هُوَ الضَّمُّ وَالْإِلْصَاقُ فَشُبِّهَ عَقْدُ الزَّوَاجِ بِالِالْتِصَاقِ وَالضَّمِّ بِمَا فِيهِ مِنِ اعْتِبَارِ انْضِمَامِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَصَارَا كَشَيْئَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ. وَهَذَا كَمَا سُمِّيَ كِلَاهُمَا زَوْجًا، وَلَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِطْلَاقُ النِّكَاحِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الْعَقْدِ دُونَ مَعْنَى الْوَطْءِ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ فُلَانًا، أَيْ تَزَوَّجَتْهُ، كَمَا يَقُولُونَ: نَكَحَ فُلَانٌ امْرَأَةً. وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ مُدَوِّنِي اللُّغَةِ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي إِدْخَالِ شَيْءٍ فِي آخَرَ. فَأَخَذُوا مِنْهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، وَدَرَجَ عَلَى ذَلِكَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَعَلَى مَا بَنَوْهُ أَخْطَأَ الْمُتَنَبِّي فِي اسْتِعْمَالِهِ إِذْ قَالَ:
أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ ... تَغَشْمَرَتْ بِي إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا
وَلَا حُجَّةَ فِي كَلَامِهِ، وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ فِي مُعْجِزِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ أَرَادَ جَمَعْتُ بَيْنَ صُمِّ الْحَصَى وَخُفِّ الْيَعْمَلَةِ.
وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْعِدَّةِ بِالْمُؤْمِنَاتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لم يكنّ إِلَّا مُؤْمِنَاتٍ وَلَيْسَ فِيهِنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَيَنْسَحِبُ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ كَمَا شَمَلَهَا حُكْمُ الِاعْتِدَادِ إِذَا وَقَعَ مَسِيسُهَا بِطُرُقِ الْقِيَاسِ.
وَالْمَسُّ وَالْمَسِيسُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْوَطْءِ، كَمَا سُمِّيَ مُلَامَسَةٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النِّسَاءَ: ٤٣] .
وَالْعِدَّةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: هِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ هَيْئَةٍ مِنَ الْعَدِّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْحِسَابُ فَأُطْلِقَتِ الْعِدَّةُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَعْدُودِ، يُقَالُ: جَاءَ عِدَّةُ رِجَالٍ، وَقَالَ تَعَالَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ الْبَقَرَة [١٨٤] . وَغَلَبَ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لِانْتِظَارِ الْمَرْأَةِ زَوَاجًا ثَانِيًا، لِأَنَّ انْتِظَارَهَا مُدَّةٌ مَعْدُودَةُ الْأَزْمَانِ إِمَّا بِالتَّعْيِينِ وَإِمَّا بِمَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنْ طُهْرٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ فَصَارَ اسْمَ جِنْسٍ وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute