مَعَ الْأُمَّةِ وَبَعْضُهُ خَاصٌّ بِهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِخُصُوصِيَّتِهِ مِمَّا هُوَ تَوْسِعَةٌ عَلَيْهِ، أَوْ مِمَّا رُوعِيَ فِي تَخْصِيصِهِ بِهِ عُلُوُّ دَرَجَتِهِ.
وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَةَ لِوُرُودِهَا عَقِبَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا خَاضَ الْمُنَافِقُونَ فِي تزوّج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَقَالُوا: تَزَوَّجَ مَنْ كَانَتْ حَلِيلَةَ مُتَبَنَّاهُ، أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ من يحل للنبيء تَزَوُّجُهُنَّ حَتَّى لَا يَقَعَ النَّاسُ فِي تَرَدُّدٍ وَلَا يَفْتِنَهُمُ الْمُرْجِفُونَ.
وَلَعَلَّ مَا حَدَثَ مِنَ اسْتِنْكَارِ بَعْضِ النِّسَاءِ أَنْ تَهْدِيَ الْمَرْأَةُ نَفْسهَا لِرَجُلٍ كَانَ مِنْ مُنَاسَبَاتِ اشْتِمَالِهَا عَلَى قَوْلِهِ: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنبيء الْآيَةَ، وَلِذَلِكَ جَمَعَتِ الْآيَةُ تَقْرِيرَ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ وَتَشْرِيعُ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِتَكَوْنَ جَامِعَةً لِلْأَحْوَالِ، وَذَلِكَ أَوْعَبُ وَأَقْطَعُ لِلتَّرَدُّدِ وَالِاحْتِمَالِ.
فَأَمَّا تَقْرِيرُ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ: وَبَناتِ خالاتِكَ، وَأَمَّا تَشْرِيعُ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ:
اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الْأَحْزَاب: ٥٢] .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ التَّشْرِيعُ. وَدُخُولُ حِرَفِ (إِنَّ) عَلَيْهِ لَا يُنَافِي إِرَادَةَ التَّشْرِيعِ إِذْ مَوْقِعُ (إِنَّ) هُنَا مُجَرَّدُ الِاهْتِمَامِ، وَالِاهْتِمَامُ يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْ قَصْدِ الْإِخْبَارِ وَقَصْدِ الْإِنْشَاءِ، وَلِذَلِكَ عُطِفَتْ عَلَى مَفْعُولِ أَحْلَلْنا مَعْطُوفَاتٍ قُيَّدَتْ بِأَوْصَافٍ لَمْ يَكُنْ شَرْعُهَا مَعْلُومًا مِنْ قَبْلُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَبَناتِ عَمِّكَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِنَّ بِوَصْفِ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، وَفِي قَوْلِهِ: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها بِاعْتِبَار تقييدها بِوَصْفِ الْإِيمَانِ وَتَقْيِيدِهَا بِ «إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنبيء وَأَرَادَ النبيء أَن يستنكحها» . هَذَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ عَلَى مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى اخْتِلَافٍ قَلِيلٍ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ.
وَعِنْدِي: أَنَّ الْآيَةَ امْتِنَانٌ وَتَذْكِيرٌ بِنِعْمَة على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَتُؤْخَذُ مِنَ الِامْتِنَانِ الْإِبَاحَةُ وَيُؤْخَذُ مَنْ ظَاهَرِ قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [الْأَحْزَاب: ٥٢] الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّاتِي فِي عِصْمَتِهِ مِنْهُنَّ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَلِتَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute