وَسَيَجِيءُ مَا لَنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ بَعْدُ وَمَا لنا فِي مَوضِع قَوْلِهِ إِن أَرَادَ النبيء أَنْ يَسْتَنْكِحَها.
وَمَعْنَى أَحْلَلْنا لَكَ الْإِبَاحَةُ لَهُ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ عَقِبَ تَعْدَادِ الْمُحَلَّلَاتِ لَهُ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ.
وَإِضَافَةُ أَزْوَاجٍ إِلَى ضمير النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُفِيدُ أَنَّهُنَّ الْأَزْوَاجُ اللَّاتِي فِي عِصْمَتِهِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ إِخْبَارًا لِتَقْرِيرِ تَشْرِيعٍ سَابِقٍ وَمَسُوقًا مَسَاقَ الِامْتِنَانِ، ثُمَّ هُوَ تَمْهِيدٌ لِمَا سَيَتْلُوهُ مِنَ التشريع الْخَاص بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إِلَى قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الْأَحْزَاب: ٥٢] . وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدِي فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَحَكَى ابْنُ الْفَرَسِ عَنِ الضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ أَنَّ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أَنَّ اللَّهَ أحلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلَّ امْرَأَةٍ يُصْدِقُهَا مَهْرهَا فَأَبَاحَ لَهُ كُلَّ النِّسَاءِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ مُقْتَضَى إِضَافَةِ أَزْوَاجٍ إِلَى ضَمِيرِهِ. وَعَنِ التَّعْبِيرِ بِ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَحْمَلِ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ فَقَالَ قوم: هَذِه ناسخة لقَوْله: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلَو تقدّمت عَلَيْهَا فِي التِّلَاوَة. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَنْسُوخَة بقوله: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ.
و (اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) صِفَةٌ لِ أَزْواجَكَ، أَيْ وَهُنَّ النِّسْوَةُ اللَّاتِي تَزَوَّجْتَهُنَّ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ الَّذِي يَعُمُّ الْأُمَّةَ، فَالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ. وَهَؤُلَاءِ فِيهِنَّ مَنْ هُنَّ مِنْ قِرَابَاتِهِ وَهُنَّ الْقُرَشِيَّاتُ مِنْهُنَّ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَسَوْدَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَفِيهِنَّ مَنْ لَسْنَ كَذَلِكَ وَهُنَّ: جُوَيْرِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَزَيْنَبُ أُمُّ الْمَسَاكِينَ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ مُتَوَفَّاةٌ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ.
وَعَطَفَ عَلَى هَؤُلَاءِ نِسْوَةٌ أخر وهنّ ثَلَاثَة أَصْنَافٍ:
«الصِّنْفُ الْأَوَّلُ» : مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْفَيْءِ، وَهُوَ مَا نَالَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْعَدُوِّ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَكِنْ تَرَكَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ مِمَّا أُعْطِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute