مَا يَوَدُّونَ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمُ مِثْلَ عَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَإِيجَابِ الْمُهُورِ وَالنَّفَقَاتِ، فَإِذَا سَمِعُوا مَا خص بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْسِعَةِ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَدُّوا أَنْ يَلْحَقُوا بِهِ فِي ذَلِكَ، فَسَجَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْعُهُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ بَقَاءِ تِلْكَ الْإِحْكَامِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا لَمْ نَغْفُلْ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ لَمْ نُبْطِلْهُ بَلْ عَنْ علم خصصنا نبيئنا بِمَا خَصَصْنَاهُ بِهِ فِي ذَلِكَ الشَّأْنِ، فَلَا يَشْمَلُ مَا أَحْلَلْنَاهُ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَظَرْفِيَّةُ فِي مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ هُوَ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَذَوَاتُ مَا مَلَكَتْهُ الْأَيْمَانُ.
لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
تَعْلِيلٌ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حق نبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ مِنَ التَّوْسِعَةِ بِالِازْدِيَادِ مِنْ عَدَدِ الْأَزْوَاجِ وَتَزَوُّجِ الْوَاهِبَاتِ أَنْفُسِهِنَّ دُونَ مَهْرٍ، وَجَعَلَ قَبُولَ هِبَتِهَا مَوْكُولًا لِإِرَادَتِهِ، وَبِمَا أَبْقَى لَهُ مِنْ مُسَاوَاتِهِ أُمَّتَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْإِبَاحَةِ فَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ، وَهَذَا تَعْلِيمٌ وَامْتِنَانٌ.
وَالْحَرَجُ: الضِّيقُ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَدْنَى الْحَرَجِ، وَهُوَ مَا فِي التَّكْلِيفِ مِنْ بَعْضِ الْحَرَجِ الَّذِي لَا تَخْلُو عَنْهُ التَّكَالِيفُ، وَأَمَّا الْحَرَجُ الْقَوِيُّ فَمَنْفِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ. وَمَرَاتِبُ الْحَرَجِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَمَنَاطُ مَا يُنْفَى عَنِ الْأُمَّةِ مِنْهَا وَمَا لَا يُنْفَى، وَتَقْدِيرَاتُ أَحْوَالِ انْتِفَاءِ بَعْضِهَا لِلضَّرُورَةِ هُوَ مِيزَانُ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَرَاتِبِهَا وَأَعْلَمُ بِمِقْدَارِ تَحَرُّجِ عِبَادِهِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي مَسَائِلِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، وَقَدْ حَرَّرَ مِلَاكَهُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِهِ «أَنْوَاءِ الْبُرُوقِ» . وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا
الْمُسَمَّى «مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ» .
وَأعلم أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَكَ فِي الْأَخْذِ بِهَذِهِ التَّوَسُّعَاتِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ بِهَا قدره مَسْلَك الكمّل مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ أَكْمَلُهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعْ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ عَبْدًا شَكُورًا كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ اسْتِغْفَارِهِ رَبَّهُ فِي الْيَوْمِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا.
وَالتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً تَذْيِيلٌ لِمَا شَرَعَهُ من الْأَحْكَام للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِلْجُمْلَةِ الْمُعَتَرِضَةِ، أَيْ أَنَّ مَا أَرَدْنَاهُ مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْكَ هُوَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute