النبيء فَيَدْخُلُونَ قَبْلَ أَنْ يُدْرَكَ الطَّعَامُ فَيَقْعُدُونَ إِلَى أَنْ يُدْرَكَ ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ اهـ. وَقَدْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ قَبْلَ قَضِيَّةِ النَّفَرِ الَّذِينَ حَضَرُوا وَلِيمَةَ الْبِنَاءِ بِزَيْنَبَ فَتَكُونُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ خَاتِمَةَ الْقَضَايَا، فَكُنِّيَ بِالِانْتِظَارِ عَنْ مُبَادَرَةِ الْحُضُورِ قَبْلَ إِبَانِ الْأَكْلِ. وَنُكْتَةُ هَذِهِ الْكِنَايَةِ تَشْوِيهُ السَّبْقِ بِالْحُضُورِ بِجَعْلِهِ نَهَمًا وَجَشَعًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَحْضُرُونَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ النَّهْيُ مُتَوَجِّهًا إِلَى صَرِيحِ الِانْتِظَارِ.
وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ التَّأَخُّرَ عَنْ إِبَانِ الطَّعَامِ أَفْضَلُ فَأَرْشَدَ النَّاسَ إِلَى أَنَّ تَأَخُّرَ الْحُضُورِ عَنْ إِبَانِ الطَّعَامِ لَا يَنْبَغِي بَلِ التَّأَخُّرُ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ صَاحِبَ الطَّعَامِ فِي انْتِظَارٍ، وَكَذَلِكَ الْبَقَاءُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ تَجَاوْزٌ لِحَدِّ الدَّعْوَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ لِحُضُورِ شَيْءٍ تَقْتَضِي مُفَارَقَةَ الْمَكَانِ عِنْدَ انتهائه لِأَن تقيد الدَّعْوَةِ بِالْغَرَضِ الْمَخْصُوصِ يَتَضَمَّنُ تَحْدِيدَهَا بِانْتِهَاءِ مَا دُعِيَ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ دُخُولٍ لِغَرَضٍ مِنْ مُشَاوَرَةٍ أَوْ مُحَادَثَةٍ أَوْ سَمَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَحَدَّدُ بِالْعُرْفِ وَمَا لَا يَثْقُلُ عَلَى صَاحِبِ الْمَحَلِّ، فَإِنْ كَانَ مَحَلٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ كَدَارِ الشُّورَى وَالنَّادِي فَلَا تَحْدِيدَ فِيهِ.
وطَعِمْتُمْ مَعْنَاهُ أَكَلْتُمْ، يُقَالُ: طَعِمَ فُلَانٌ فَهُوَ طَاعِمٌ، إِذَا أَكَلَ.
وَالِانْتِشَارُ: افْتِعَالٌ مِنَ النَّشْرِ، وَهُوَ إِبْدَاءُ مَا كَانَ مَطْوِيًّا، أُطْلِقَ عَلَى الْخُرُوجِ مَجَازًا وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٤٧] .
وَالْوَاوُ فِي وَلا مُسْتَأْنِسِينَ عَطَفٌ عَلَى ناظِرِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الِاسْتِدْرَاكِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ. وَزِيَادَةُ حَرْفِ النَّفْيِ قَبْلَ مُسْتَأْنِسِينَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْعَطْفِ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَفِي تَصْدِيرِ الْمَنْفِيِّ نَحْوَ قَوْلِهِ: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ الْآيَة [النِّسَاء: ٦٥] وَقَوْلِهِ: لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات: ١١] ثُمَّ قَوْلِهِ: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ [الحجرات: ١١] .
وَالِاسْتِئْنَاسُ: طَلَبُ الْأُنْسِ مَعَ الْغَيْرِ. وَاللَّامُ فِي لِحَدِيثٍ لِلْعِلَّةِ، أَيْ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِأَجْلِ حَدِيثٍ يَجْرِي بَيْنَكُمْ.
وَالْحَدِيثُ: الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ حُذِفَ مَوْصُوفُهُا ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute