للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَلَبَتْ عَلَى مَعْنَى الْمَوْصُوفِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ حَدَثَ، وَتُوسِّعَ فِيهِ فَصَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا قَدْ مَضَى. وَمِنْهُ سُمِّي مَا يرْوى عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا كَمَا يُسَمَّى خَبَرًا، ثُمَّ تُوسِّعَ فِيهِ فَصَارَ يُطلق على كل كَلَامٍ يَجْرِي بَيْنَ الْجُلَسَاءِ فِي جِدٍّ أَوْ فُكَاهَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حَدِيثُ خُرَافَةٍ، وَقَوْلُ كَثِيرٍ:

أَخَذَنَا بِاكْتِرَاثِ الْأَحَادِيثِ تَبْيِينًا ... ... الْبَيْتَ

وَاسْتِئْنَاسُ الْحَدِيثِ: تَسَمُّعُهُ وَالْعِنَايَةُ بِالْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ، قَالَ النَّابِغَةُ:

كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... يَوْمَ الْجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ

أَيْ كَأَنِّي رَاكِبٌ ثَوْرًا وَحْشِيًّا مُنْفَرِدًا تَسَمَّعَ صَوْتَ الصَّائِدِ فَأَسْرَعَ الْهُرُوبَ.

وَإِضَافَةُ بُيُوتَ النَّبِيِّ عَلَى مَعْنَى لَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ تِلْكَ الْبُيُوتَ مِلْكٌ لَهُ مَلَكَهَا بِالْعَطِيَّةِ مِنَ الَّذِينَ كَانَتْ سَاحَةُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبِالْفَيْءِ لِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي كَانَتْ ثَمَّةَ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ فُتِحَتْ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحَتْ دَارًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَمَصِيرُ تِلْكَ الْبُيُوتِ بعد وَفَاة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصِيرُ تَرِكَتِهِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ وَمَا تَرَكَهُ يَنْتَفِعُ مِنْهُ أَزْوَاجُهُ وَآلُهُ بِكِفَايَتِهِمْ حَيَاتَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَضَى بِهِ عُمَرُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فِيمَا كَانَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَدَكِ وَنَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ، فَكَانَ لِأَزْوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقُّ السُّكْنَى فِي بُيُوتِهِنَّ بَعْدَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُنَّ اللَّهُ مِنْ عِنْدِ آخِرَتِهِنَّ، فَلِذَلِكَ أَدْخَلَهَا الْخُلَفَاءُ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ تَوْسِعَتِهِ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُعْطَ وَرَثَتُهُنَّ شَيْئًا وَلَا سَأَلُوهُ. وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِهِنَّ فِي قَوْلِهِ: مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ [الْأَحْزَاب: ٣٤] عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ لَا لَامِ الْمِلْكِ.

قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ: هَذِهِ الْآيَةُ أَدَبٌ أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ الثُّقَلَاءَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَائِشَةَ: حَسْبُكَ مِنَ الثُّقَلَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحْتَمِلْهُمْ.

وَمَعْنَى الثِّقَلِ فِيهِ هُوَ إِدْخَالُ أَحَدٍ الْقَلَقَ وَالْغَمَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جَرَّاءِ عَمَلٍ لِفَائِدَةِ الْعَامِلِ أَوْ لِعَدَمِ الشُّعُورِ بِمَا يَلْحَقُ غَيْرَهُ مِنَ الْحَرَجِ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْعَمَلِ. وَهُوَ من مساوئ الْخُلُقِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ كَانَ ضُرًّا بِالنَّاسِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَذَى وَهُوَ ذَرِيعَةٌ للتباغض عِنْد نفاد صَبْرِ الْمَضْرُورِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي مِقْدَارِ