أَنَّهُ عَمَلٌ مَذْمُوم لِأَن النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعَزُّ خَلْقٍ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّحَرُّزَ مِمَّا يُؤْذِيهِ أَدْنَى أَذًى.
وَمَنَاطُ دَفْعِ الِاغْتِرَارِ قَوْلُهُ: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ فَإِنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَظُنُّهُ النَّاسُ رِضًى وَإِذْنًا وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ إِلَى أَذْهَانِ بَعْضِهِمْ أَنَّ جُلُوسَهُمْ لَوْ كَانَ مَحْظُورًا لَمَا سكت عَلَيْهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْشَدَهُمْ اللَّهُ إِلَى أَنَّ السُّكُوتَ النَّاشِئَ عَنْ سَبَبٍ هُوَ سُكُوتٌ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الرِّضَى وَأَنَّهُ إِنَّمَا سَكَتَ حَيَاءً مِنْ مُبَاشَرَتِهِمْ بِالْإِخْرَاجِ فَهُوَ اسْتِحْيَاءٌ خَاصٌّ مِنْ عَمَلٍ خَاصٍّ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مُؤْذِيًا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ فِيهِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَين التفرغ لشؤون النُّبُوءَةِ مِنْ تَلَقِّي الْوَحْيِ أَوِ الْعِبَادَةِ أَوْ تَدْبِيرِ أَمْرِ الْأُمَّةِ أَوِ التَّأَخُّرِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي مَجْلِسِهِ لنفع الْمُسلمين ولشؤون ذَاتِهِ وَبَيْتِهِ وَأَهْلِهِ. وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ أَنْ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ تَنْزِيلِ غَيْرِ الْمُتَرَدِّدِ مَنْزَلَةَ الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ حَالَ النَّفَرِ الَّذِينَ أَطَالُوا الْجُلُوسَ وَالْحَدِيثَ فِي بَيْتِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَدَمَ شُعُورِهِمْ بِكَرَاهِيَّتِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ حِينَ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمَّا وَجَدَهُمْ خَرَجَ، فَغَفَلُوا عَمَّا فِي خُرُوج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْتِ مِنْ إِشَارَةٍ إِلَى كَرَاهِيَّتِهِ بَقَاءَهُمْ، تِلْكَ حَالَةُ مَنْ يَظُنُّ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ فَخُوطِبُوا بِهَذَا الْخِطَابِ تَشْدِيدًا فِي التَّحْذِيرِ وَاسْتِفَاقَةً مِنَ التَّغْرِيرِ.
وَإِقْحَامُ فِعْلِ كانَ لِإِفَادَةِ تَحْقِيقِ الْخَبَرِ.
وَصِيغَ يُؤْذِي بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِقَصْدِ إِفَادَةِ أَذًى مُتَكَرِّرٍ، وَالتَّكْرِيرُ كِنَايَةٌ عَنِ الشِّدَّةِ.
وَالْأَذَى: مَا يُكَدِّرُ مَفْعُولُهُ وَيُسِيءُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً فِي آلِ عِمْرَانَ [١١١] ، وَهُوَ مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي أَنْوَاعِهِ.
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ. وَالتَّقْدِيرُ:
فَيَهِمُّ بِإِخْرَاجِكُمْ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ إِذْ لَيْسَ الِاسْتِحْيَاءُ مُفَرَّعًا عَلَى الْإِيذَاءِ وَلَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ.
وَدُخُولُ مِنَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِ يَسْتَحْيِي عَلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ يَسْتَحْيِي مِنْ إِعْلَامِكُمْ بِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ.
وَتَعْدَيَةُ الْمُشْتَقَّاتِ مِنْ مَادَّةِ الْحَيَاءِ إِلَى الذَّوَاتِ شَائِعٌ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute