للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلِهِ:

أَتَانِي أَبَيْتَ اللَّعْنَ أَنَّكَ لُمْتَنِي وَمِنْ هَذَا يَنْتَقِلُونَ إِلَى تَعْدِيَةِ فِعْلِ (أَتَى) بِحَرْفِ (عَلَى) فَيَقُولُونَ: أَتَى عَلَى كَذَا، إِذَا اسْتَأْصَلَهُ. وَيَكْثُرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ فِعْلِ (جَاءَ) ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَكْرُوهِ نَحْوُ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ [يُونُس: ٢٢] .

عالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

عالِمِ الْغَيْبِ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: ١] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ، وَصِفَةٌ لِ رَبِّي الْمُقْسَمِ بِهِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالْجَرِّ وَقَدِ اقْتَضَتْ ذِكْرَهُ مُنَاسَبَةُ تَحْقِيقِ إِتْيَانِ السَّاعَةِ فَإِنَّ وَقْتَهَا وَأَحْوَالَهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ فِي عِلْمِ النَّاسِ.

وَفِي هَذِهِ الصِّفَةِ إِتْمَامٌ لِتُبَيِّنَ سَعَةَ عِلْمِهِ تَعَالَى فَبَعْدَ أَنْ ذُكِرَتْ إِحَاطَةُ عِلْمِهِ بِالْكَائِنَاتِ ظَاهِرِهَا وَخَفِيِّهَا جَلِيلِهَا وَدَقِيقِهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أُتْبِعَ بِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِمَا سَيَكُونُ أَنَّهُ يَكُونُ وَمَتَى يَكُونُ.

وَالْغَيْبُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَة: ٣] عَلَى مَعَانٍ ذُكِرَتْ هُنَالِكَ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ عالِمِ الْغَيْبِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَبِرَفْعِ عالِمِ عَلَى الْقَطْعِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَخَلَفٌ وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْضًا وَمَجْرُورًا عَلَى الصِّفَةِ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: رَبِّي.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ عَلَّامِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَبِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ إِتْبَاعُ ذِكْرِ السَّاعَةِ بِذِكْرِ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِعِلْمِهَا لِأَنَّ الْكَافِرِينَ بِهَا جَعَلُوا مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا دَلِيلًا سُفُسْطَائِيًّا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهَا الْقُرْآنُ الْوَاقِعَةَ فِي قَوْلِهِ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الْوَاقِعَة: ١، ٢] .