للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفة غَفُورٌ [فاطر: ٢٨] وَلِذَلِكَ خُتِمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ فُصِّلَ ذَلِكَ الثَّنَاءُ وَذُكِرَتْ آثَارُهُ وَمَنَافِعُهُ.

فَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ لِأَنَّهُمُ اشْتُهِرُوا بِذَلِكَ وَعُرِفُوا بِهِ وَهُمُ الْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ. قَالَ تَعَالَى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:

٤٩] . وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنْ إِيمَانِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَتْلُو الْكِتَابَ إِلَّا مَنْ صَدَّقَ بِهِ وَتَلَقَّاهُ بِاعْتِنَاءٍ.

وَتَضَمَّنَ هَذَا أَنَّهُمْ يَكْتَسِبُونَ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالتَّكَالِيفِ، فَقَدْ أَشْعَرَ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ بِتَجَدُّدِ تِلَاوَتِهِمْ فَإِنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ مُتَجَدِّدٌ فَكُلَّمَا نَزَلَ مِنْهُ مِقْدَارٌ تَلَقَّوْهُ وَتَدَارَسُوهُ.

وَكِتَابُ اللَّهِ الْقُرْآنُ وَعَدَلَ عَنِ اسْمِهِ الْعَلَمِ إِلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُضَافِ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ لِمَا فِي إِضَافَته إِلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِهِ.

وَأَتْبَعَ مَا هُوَ عَلَامَةُ قَبُولِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ بِهِ بِعَلَامَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ، ثُمَّ أُتْبِعَتْ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي الْمَالِ وَهِيَ الْإِنْفَاقُ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْفَاقِ حَيْثُمَا أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الصَّدَقَاتُ وَاجِبُهَا وَمُسْتَحَبُّهَا وَمَا وَرَدَ الْإِنْفَاقُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ إِلَّا وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّدَقَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ إِذْ لَمْ تَكُنِ الزَّكَاةُ قَدْ فُرِضَتْ أَيَّامَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ مَفْرُوضَةً دُونَ نُصُبٍ وَلَا تَحْدِيدٍ ثُمَّ حُدِّدَتْ بِالنُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ.

وَجِيءَ فِي جَانِبِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَدْ تَقَرَّرَ وَعَمِلُوا بِهِ فَلَا تَجَدُّدَ فِيهِ، وَامْتِثَالُ الَّذِي كلفوا بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُدَاوِمُونَ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: مِمَّا رَزَقْناهُمْ إِدْمَاجٌ لِلِامْتِنَانِ وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْفَاقُ شُكْرٍ عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالرِّزْقِ فَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ.

وَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: كِتابَ اللَّهِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا رَزَقْناهُمْ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِامْتِنَانِ.